لا تزال قضية تمويل الأحزاب السياسية في المغرب تثير الكثير من الجدل، خاصة مع الاعتماد الكبير على التمويل العمومي الذي يغطي 53% من مواردها المعلنة. وعلى الرغم من أهمية هذه الموارد في تعزيز الحياة الديمقراطية، إلا أن التدقيقات التي يجريها المجلس الأعلى للحسابات تكشف بشكل دوري عن اختلالات خطيرة في إدارة هذه الأموال، مما يضع علامات استفهام حول جدية الأحزاب في تبني ممارسات مالية شفافة ومسؤولة.
في مواجهة هذه التحديات، قدمت وزارة الداخلية، بقيادة عبد الوافي لفتيت، مشروعًا يهدف إلى إصلاح نظام تمويل الأحزاب. ويرتكز هذا المشروع على تطوير نظام معلوماتي مشترك لاستغلال الخطة المحاسبية الخاصة بالأحزاب، بالإضافة إلى إعداد دليل للإجراءات المحاسبية، بدعوى تعزيز الشفافية والمصداقية في الحسابات.
إصلاحات متأخرة وشكوك حول الفعالية
رغم الطابع “الطموح” الذي وصف به المشروع، إلا أن توقيته يثير التساؤلات. لماذا الآن؟ وهل يمكن اعتبار هذه الإصلاحات تأخرا عن مواجهة أزمة مستمرة منذ سنوات؟ إذا كانت وزارة الداخلية جادة في تعزيز الشفافية، فلماذا لم يتم تفعيل هذه الإجراءات منذ فترة طويلة، خاصة وأن تقارير المجلس الأعلى للحسابات لطالما حذرت من سوء إدارة موارد الأحزاب؟
أضف إلى ذلك أن المشروع يعتمد على حلول تقنية وإدارية، مثل نظام المعلومات ودليل الإجراءات، دون أن يتطرق إلى جوهر المشكلة: غياب إرادة سياسية حقيقية داخل الأحزاب نفسها لإصلاح ممارساتها المالية.
الأحزاب السياسية: بين غياب المساءلة والاعتماد على المال العام
الأحزاب السياسية، التي من المفترض أن تكون مؤسسات ديمقراطية نموذجية، تتحول في كثير من الأحيان إلى كيانات مغلقة تخلو من أدنى معايير الشفافية. ومع التمويل العمومي الذي يغطي الجزء الأكبر من ميزانياتها، تبقى هذه الأحزاب بعيدة عن المحاسبة الحقيقية، سواء من قبل أعضائها أو من قبل المواطنين الذين يمولونها من أموال الضرائب.
إصلاحات بلا رؤية شاملة؟
في ظل هذه الإصلاحات، يبقى السؤال الأهم: هل ستقتصر الوزارة على الحلول التقنية والإدارية، أم أن هناك خطوات موازية لضمان تفعيل آليات المحاسبة والشفافية؟ لا يمكن تحقيق تغيير حقيقي ما لم تكن هناك عقوبات صارمة تجاه الأحزاب التي تنتهك القوانين المالية، بالإضافة إلى ضمان انفتاحها على رقابة شعبية ومؤسساتية.
يبقى الإصلاح الحقيقي مرهونًا بمدى قدرة الوزارة على تجاوز الحلول الجزئية وتبني رؤية شاملة تجعل من الأحزاب السياسية نموذجًا يحتذى به في الشفافية والمساءلة، بدلاً من الاكتفاء بمحاولات ترقيعية قد تزيد الوضع تعقيدًا.