تعدد القنوات الفضائية العربية الإخبارية بين المهنية وحضور الدولة

شهدت العقود الأخيرة تناميًا ملحوظًا في عدد القنوات الفضائية العربية الإخبارية التي أصبحت تنافس نظيراتها الدولية من حيث الانتشار والتأثير هذا التوسع يثير تساؤلات حول الأهداف الحقيقية لهذه القنوات هل هو تعزيز للمهنية الإعلامية وخدمة للجمهور ؟ أم أنه جزء من استراتيجية الدول لتعزيز حضورها السياسي والثقافي ؟

 

المنافسة المهنية إعلام يخدم الجمهور

 

في عالم يزداد فيه الطلب على المعلومة الدقيقة يأتي الإعلام ليؤدي دورًا أساسيًا في تزويد الجمهور بما يحتاجه من أخبار وتحليلات

وتعدد القنوات الإخبارية يمكن أن يكون قوة إيجابية تعزز المنافسة المهنية حيث تسعى القنوات إلى كسب ثقة الجمهور عبر تحسين المحتوى وتقديم تغطية شاملة للأحداث من زوايا مختلفة .

 

القنوات التي تركز على المهنية تقدم تقارير موضوعية وتحليلات معمقة وبرامج تناقش قضايا المجتمع بأسلوب علمي وهذه المنافسة تساهم في تطوير الإعلام كصناعة قائمة على معايير الجودة والحيادية بدلًا من أن تكون مجرد أداة للدعاية .

 

تعزيز الحضور الإعلامي للدول

 

على الجانب الآخر يمكن اعتبار بعض القنوات الإخبارية امتدادًا للسياسة الخارجية لدولها وهنا يتحول الإعلام إلى أداة دبلوماسية تهدف إلى تعزيز الحضور السياسي والثقافي للدولة المالكة سواء على المستوى الإقليمي أو العالمي .

هذه القنوات غالبًا ما تعمل على إبراز المواقف الرسمية والتأثير على الرأي العام المحلي والعالمي بل وأحيانًا الدخول في صراعات إعلامية مع قنوات أخرى تعكس أجندات مختلفة في هذه الحالة يصبح الإعلام ساحة للتنافس السياسي بدلًا من أن يكون منبرًا لخدمة الحقيقة

 

إشكالية التداخل بين المهنية والسياسة

 

التداخل بين المهنية الإعلامية والولاء السياسي يمثل تحديًا كبيرًا في المشهد الإعلامي العربي بينما تُظهر بعض القنوات التزامًا واضحًا بالمهنية تتأثر أخرى بأجندات سياسية تضعف ثقة الجمهور بمصداقيتها هذا التداخل يجعل من الصعب على المشاهد التمييز بين الإعلام المستقل والإعلام الموجه مما يضعه أمام مسؤولية أكبر في البحث عن الحقيقة

 

تأثير التعدد على الجمهور

 

رغم التحديات يوفر التعدد الإعلامي للجمهور فرصة ذهبية للحصول على روايات متعددة للأحداث ما يتيح له تكوين رؤية أوسع وأكثر شمولية لكن هذا التعدد يفرض أيضًا على المشاهد تطوير وعي نقدي يساعده على التمييز بين المحتوى المهني والمحتوى المُوجه والبحث عن مصادر أكثر حيادية وموثوقية

 

 

إن تعدد القنوات الفضائية الإخبارية العربية يمثل ظاهرة تحمل أبعادًا متناقضة فهو يعكس من جهة حراكًا إعلاميًا إيجابيًا يسعى لإثراء الساحة الإعلامية لكنه من جهة أخرى قد يتحول إلى أداة تخدم أجندات سياسية ضيقة

 

التحدي الأكبر أمام الإعلام العربي اليوم هو تحقيق توازن بين المهنية وتعزيز حضور الدول بحيث لا تُهمش مصلحة الجمهور لصالح المصالح السياسية الإعلام المهني المستقل هو القادر على خدمة الشعوب ودعم قضاياها أما الإعلام الموجه فلن يكون سوى انعكاس لمصالح مؤقتة لا تُساهم في بناء وعي أو نهضة.

 

في النهاية يبقى السؤال مفتوحًا هل سيستمر الإعلام العربي في هذا التداخل بين المهنية والسياسة أم سيشهد تحولًا نحو صناعة إعلامية ناضجة تخدم الحقيقة والجمهور على حد سواء ؟

يمكنكم مشاركة المقال على منصتكم المفضلة