بين فرص المونديال وأعباء الموازنة هل تخاطر الحكومة باستقرار المالية العمومية؟

في ظل استعداد المغرب لاستضافة كأس إفريقيا للأمم 2025 ومشاركته في استضافة كأس العالم 2030، يتزايد النقاش حول جدوى هذه الاستثمارات الضخمة وأثرها على المالية العمومية. وفي تقريرها الأخير، حذرت زينب العدوي، الرئيس الأول للمجلس الأعلى للحسابات، من المخاطر المالية المحتملة نتيجة الإنفاق الهائل على البنية التحتية الرياضية والسياحية وقطاعات النقل والاتصال.

 

رغم أن هذه المشاريع تحمل آمالًا كبيرة لتعزيز الاقتصاد الوطني، إلا أنها تثير تساؤلات حول أولويات الحكومة. كلفة الاستثمارات، التي تتجاوز 140 مليار درهم، تشمل تأهيل منطقة الحوز بـ9.5 مليار درهم وإصلاح منظومة الحماية الاجتماعية بـ53.5 مليار درهم بحلول 2026. هذه الأرقام تضع ضغوطًا غير مسبوقة على موازنة الدولة، مما يثير القلق بشأن إمكانية تلبية الاحتياجات التنموية الملحة.

 

اما على المستوى الشعبي، تحول الشعور الأولي بالفخر والترقب نحو استضافة هذه الأحداث إلى قلق متزايد. المواطن الذي كان يأمل في أن تكون هذه المناسبة مصدر فرح وفخر وطني، بدأ يشعر بأن الأعباء المالية لهذه المشاريع أصبحت تثقل كاهله. ارتفاع أسعار المعيشة وتقلص الدعم الاجتماعي يعزز هذا الانطباع، مما يجعل العديد يتساءلون عما إذا كانت هذه الاستثمارات تخدم فعلاً الأولويات الوطنية أم أنها تضع أعباء جديدة على جيوب المواطنين.

 

لاشك أن استضافة المونديال فرصة لتطوير البنية التحتية وجذب الاستثمارات، لكن هناك ضرورة ملحة للتخطيط المالي المحكم لتفادي عواقب كارثية. “إشراك القطاع الخاص وتحسين إدارة المشاريع الكبرى أمر لا بد منه لتخفيف العبء على المالية العمومية وضمان الشفافية”، كما أن الاستثمار في الطاقة المتجددة يمكن أن يحقق عوائد مستدامة.

 

اما بالنسبة لتحذيرات المجلس الأعلى للحسابات تضع الحكومة في موقف صعب. فالتركيز على استثمارات ذات بعد دولي دون استراتيجية مالية واضحة قد يعمق من أزمة المديونية ويؤدي إلى تقليص الإنفاق على قطاعات حيوية مثل الصحة والتعليم. ورغم الوعود بأن هذه الاستثمارات ستخلق فرص عمل وتدر عائدات ضريبية كبيرة، إلا أن غياب آليات شفافة لتقييم الأداء يزيد من مخاوف خبراء الاقتصاد.

 

هنا تبدو سياسة الحكومة محاصرة بين متطلبات التنمية المحلية والرهانات الدولية. استضافة أحداث رياضية كبرى قد تكون خطوة للأمام، لكنها قد تصبح مقامرة بمستقبل المالية العمومية إذا لم يتم التخطيط لها بعناية. تبقى الشفافية والشراكة مع القطاع الخاص أدوات أساسية لضمان ألا تتحول هذه الفرصة إلى عبء يرهق المواطن بدل أن تكون مصدر فرحة وفخر وطني.

يمكنكم مشاركة المقال على منصتكم المفضلة