تعتبر أغنية “نداء الحسن” واحدة من أعظم الأعمال الغنائية في تاريخ الأغنية المغربية في القرن العشرين، فقد امتدت أهميتها إلى ما هو أبعد من حدث المسيرة الخضراء، لتحفر مكانها بين الكلاسيكيات الوطنية الخالدة. هذه الأغنية التي يعرفها المغاربة بمطلعها الشهير “صوت الحسن ينادي”، ولدت ليلة 16 أكتوبر 1975، حين قام الزجال فتح الله المغاري بكتابة كلماتها بعد أن استمع إلى خطاب الملك الحسن الثاني الذي أعلن فيه عن تنظيم المسيرة الخضراء.
استغرقت كتابة كلمات الأغنية حوالي عشرين دقيقة، حيث استلهم المغاري كلماتها من مفردات الخطاب الملكي ومصطلحاته الأساسية، ليحولها إلى قصيدة زجلية مليئة بالرمزية والعاطفة الوطنية. يرى العديد من النقاد أن المغاري قد أبدع في اختياره للمطلع الذي تجسد فيه صوت الحسن كنداء يحمل نداء الصحراء بلسان شعري مؤثر، واستطاع من خلاله تلخيص نظرة الحسن الثاني للمسيرة.
بعد الانتهاء من الكلمات، تولى الملحن عبد الله عصامي، وهو صديق المغاري وشريكه الفني، تلحين الأغنية. وقد تم إعداد اللحن بسرعة مماثلة لكتابة الكلمات، حيث توجه عصامي مباشرة من منزل المغاري إلى بيته لصياغة اللحن على النوتة الموسيقية، ثم اتجه إلى المايسترو عبد السلام خشان، مدير الجوق الملكي، لبدء البروفات. ويقال إن الأغنية كانت جاهزة عمليًا في غضون 24 ساعة، حيث تم التحضير للأداء ليلة 17 أكتوبر 1975. وقد وافق الموسيقار أحمد البيضاوي، رئيس قسم الموسيقى بالإذاعة الوطنية، على تسجيل الأغنية، مما أتاح لها الانتشار في كافة الأرجاء.
مرور تسعة وأربعون سنة لازالت الأسئلة تتناسل حول سر نجاح هذا العمل، فمما أثير عن العمل هو عن الجانب الذي أنجح العمل، هل هي الكلمات أم اللحن؟
لا يختلف اثنان في أن الزجال فتح الله المغاري أبدع بكلمات بسيطة تندرج فيما يصطلح عليه بالسهل الممتنع، كما لا يمكن أن يختلفا في التناغم الشديد في الأغنية بين النظم والميلوديا. لكن المتخصصين يرون بأن لحن عبد الله عصامي هو الذي حقق الفرق، لأنه كثيرا ما يكون هنالك نظم مبدع، لكنه لا يمكنه أن ينجح في الغناء إذا لم يُصغ الصياغة اللحنية المتماسكة التي تجسد موسيقيا روح وجو الكلمات.
فاللحن يبتدىء بمقدمة موسيقية رصينة هادئة تميل إلى الحزن، ثم سرعان ما يتسارع اللحن لينتقل من السكون إلى الحيوية مع دخول المجموعة في تريد التكبير “الله أكبر”، بعدها يستقر اللحن في هذا المنحى. ويأتي كوبليه “صوت الحسن ينادي بلسانك يا صحراء” ليحسس المستمع بأنه أمام عمل وطني من خلال حضور كورال رجالي.
صوت الحسن ينادي بلسانك يا صحراء
فرحي يا أرض بلادي أرضك صبحت حرة
مرادنا لازم يكمل بالمسيرة الخضراء
الله الله الله الله
مسيرة أمة و شعب بولاده و بناته
شعارها سلم وحب والغادي سعداته
الله الله الله الله
حاملين كتاب الله و طريقنا مستقيم
إخوانا فالصحراء يسالونا الرحم
يا قاصدين الصحراء أبوابها مفتوحة
مسيرتنا الخضراء نتيجة مربوحة
فيها أمن و سلام تاريخ مجد الوطن
بلا حرب بلا سلاح معجزة الزمان
أغنية “العيون عينيا”
في نفس السياق، تميزت أيضًا أغنية “العيون عينيا” التي أدتها فرقة “جيل جيلالة” خلال فترة المسيرة الخضراء، حيث عبرت هذه الأغنية بشكل صادق وحماسي عن هذا الحدث التاريخي. كان المشاركون في المسيرة يرددونها بفرح وحماسة، ما أضاف لمسة ثورية على هذا الحدث الوطني. وتظل هذه الأغاني، مثل “العيون عينيا”، نموذجًا حيًّا لتأثير الفن الوطني في خلق شعور جماعي مشترك، حيث يمتزج الإبداع الفني بالروح الثورية.
من بين كلمات الأغنية التي لا تزال عالقة في الذاكرة المغربية، نجد:
“العيون عينيا، والساقية الحمرا ليا، والواد وادي يا سيدي، الله والنبي والقرآن معانا، وإيماننا يحطم كل طاغي جبار، على بلادي يا سيدي.”
وما يميز هذه الأعمال الموسيقية أنها حافظت على حضورها في الذاكرة الثقافية الوطنية، مما يدعو إلى ضرورة صيانتها كجزء من التراث الفني الذي يوثق مراحل مجيدة من تاريخ المغرب.
شاهد