بوتفليقة والحسن الثاني.. إعجاب خفي وولاء غير معلن

لطالما شغلت العلاقة بين الرئيس الجزائري الراحل عبد العزيز بوتفليقة وجلالة الملك الراحل الحسن الثاني المراقبين والمحللين، بالنظر إلى ما حملته من تناقضات واضحة بين الإعجاب الشديد والكراهية المكتومة. فقد كان بوتفليقة، الذي ترعرع في مدينة وجدة المغربية، يحمل مشاعر متباينة تجاه العاهل المغربي، حيث رأى فيه نموذجًا للزعامة، لكنه في الوقت ذاته كان يشعر تجاهه بعقدة التفوّق.

 

فبحسب ما كشفه أحد الصحفيين المتخصصين في الشأن المغاربي، كان بوتفليقة يعتبر الحسن الثاني شخصية فريدة من نوعها، سواء من حيث ذكائه السياسي أو براعته الدبلوماسية، وهو ما جعله يكنّ له نوعًا من الإعجاب الخفي. وكان بوتفليقة يرى أن الحسن الثاني، الذي كان يكبره سنًا، قد سبق الجميع في الوصول إلى النخبة الحاكمة، ما جعله مصدر احترام لا يستطيع إخفاءه. لكن في المقابل، كان بوتفليقة يشعر بأن الملك يشكل تحديًا دائمًا له، إذ ظلّ يرى نفسه أهلًا لمكانة مماثلة، لكنه لم يتمكن من تحقيق نفس الحضور السياسي الذي امتلكه الحسن الثاني على الساحة الدولية، مما ولّد لديه مزيجًا من الإعجاب والغيرة.

 

أحد المواقف التي وثقت هذا التناقض العميق هو ما كان يردده بوتفليقة في أحاديثه الخاصة عن الحسن الثاني، حيث كان يشير إليه بعبارة “سيدنا”، وهي لفظة تعبّر عن الاحترام العميق، بل وحتى الولاء الضمني، وهو أمر غير مألوف بين رؤساء الدول. كما كان يختم رسائله الموجهة إلى القصر الملكي بعبارة “خادمكم.. بوتفليقة”، في إشارة واضحة إلى اعترافه الضمني بتفوق الحسن الثاني عليه سياسيًا. هذا الخطاب لم يكن مجرد مجاملة دبلوماسية، بل يبصم إحساسًا دفينًا لدى بوتفليقة بأنه جزء من الإرث السياسي الذي بناه الحسن الثاني، حتى وإن حاول لاحقًا أن ينأى بنفسه عن ذلك علنًا.

 

كما قد تجلى هذا التناقض أيضًا في مواقف بوتفليقة السياسية تجاه المغرب، حيث تبنّى في البداية سياسة تهدئة وتحسين العلاقات، خاصة خلال سنواته الأولى في قصر المرادية، لكنه لاحقًا اتخذ نهجًا أكثر تشددًا، خصوصًا في ملف الصحراء المغربية، مما أدى إلى تصعيد التوتر بين البلدين. ومع اشتداد مرضه عام 2005، فقد بوتفليقة الكثير من القدرة على إدارة العلاقات الدبلوماسية بنفسه، مما أفسح المجال أمام النفوذ العسكري في الجزائر لتحديد مواقف أكثر عدائية تجاه المغرب، وهو ما جعل العلاقات بين البلدين تصل إلى مستويات غير مسبوقة من التوتر.

 

ورغم محاولاته بناء زعامة قوية داخل الجزائر، ظلّ بوتفليقة محاصرًا بظلّ الحسن الثاني، الذي كان يمثل بالنسبة له نموذجًا سياسيًا لم يستطع تجاوزه. وبينما كان يعتبر نفسه مغربي النشأة، لم يكن قادرًا على كسر الجمود التاريخي، ما جعله شخصية متناقضة في نظر الكثيرين. فبعد رحيله، لا تزال فصول هذه العلاقة الغامضة تثير الكثير من التساؤلات حول مدى تأثير الحسن الثاني على مسار بوتفليقة كما هو شأن العديد من الرؤوساء الجزائريين، وهل كان الأخير قادرًا على التحرر من تلك العقدة، أم أن ظلّ حتى في سنواته الأخيرة، أحد “رعايا” الملك الراحل الحسن الثاني؟

يمكنكم مشاركة المقال على منصتكم المفضلة