ومع اندلاع الحرب العالمية الأولى، شهد المكتب تحولا كبيرا في مساره، تحت قيادة الجنرال فيرنون كيل، الضابط المتمرس في تحليل المعلومات الاستخباراتية داخل وزارة الحرب البريطانية. وبعد انتهاء الحرب، وبحلول ثلاثينيات القرن الماضي، تبنى المكتب الاسم الشهير (إم آي 5)، وأصبح يضم 850 عميلا، ليبدأ مرحلة من التوسع والتحول إلى مؤسسة أمنية كبرى معنية بحماية الأمن الداخلي للمملكة المتحدة، في حين أسندت مهام الأمن الخارجي لجهاز (إم آي 6).
وقد أحاطت بهذا الجهاز على مر العقود هالة من الغموض والإثارة، غذتها أفلام جيمس بوند وشخصية العميل 007، إلى جانب أعمال روائية شهيرة، أبرزها روايات جون لو كاري، مثل “الجاسوس الذي جاء من البرد”، التي تعد من كلاسيكيات أدب الجاسوسية.
واليوم، يفتح (إم آي 5) أبوابه أمام الجمهور من خلال معرض يحتضنه الأرشيف الوطني بمنطقة كيو في غرب لندن، لعرض محطات بارزة من تاريخه، بما فيها إنجازاته وإخفاقاته. ويسلط المعرض الضوء على فصول من تاريخ الجهاز، تشمل الحربين العالميتين والحرب الباردة، بما حفلت به من مؤامرات وصراعات استخباراتية.
لأول مرة، ي كشف في هذا المعرض عن أسرار لم تعرض سابقا، من بينها قصة الجاسوس الألماني كارل مولر، الذي استخدم عصير الليمون كحبر سري خلال الحرب العالمية الأولى. وقد تم كشف هويته ومحاكمته في إنجلترا عام 1915، حيث أعدم في برج لندن، المعلم التاريخي الشهير الواقع على ضفاف نهر التايمز.
ويتيح المعرض للزوار فرصة مشاهدة أدوات تجسس حقيقية، كالكاميرات الصغيرة، ومن بينها كاميرا “هوغتون إنساينيت” الشهيرة التي يعود تاريخها إلى عام 1910، بالإضافة إلى صناديق بودرة التلك التي استخدمها العملاء لإخفاء الرسائل والمعلومات.
وقال المدير العام لـ(إم آي 5)، السير كين ماكولم: “يمكنني أن أؤكد أن طبيعة عملنا تختلف كثيرا عما تروجه الأعمال السينمائية”، مضيفا: “نحن أشخاص عاديون نقوم بمهام استثنائية لحماية وطننا”، مشيرا إلى أنه خدم في هذا الجهاز لأكثر من ثلاثة عقود.
ويمثل هذا المعرض كذلك تمرينا ناجحا في العلاقات العامة للجهاز الاستخباراتي، الذي بدأ منذ عام 1997 سياسة الانفتاح من خلال إتاحة أكثر من 6000 وثيقة من أرشيفه ضمن الأرشيف الوطني، ما وفر للباحثين والجمهور نافذة نادرة على تاريخه المعقد.
من جهته، أوضح ستيف بورجس، المشرف على المعارض في الأرشيف الوطني، أن المعرض الذي استغرق التحضير له سنوات، “يعد منصة مثالية لسرد قصة معقدة بأسلوب مبسط”، مشددا على أن الأرشيف الوطني يحتفظ بالسجلات الرسمية للمملكة المتحدة.