من اهم المداخلات التي تم عرضها خلال الندوة الفكرية الثانية حول موضوع: تنزيل المبادرة الأطلسية وتحولات المشهد الإقليميي والتي تم تنظيمها بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط – ماستر الجغرافيا الاقتصادية والسياسية لإفريقيا

نص المداخلة
يتمتع المغرب بموقع جيواستراتيجي فريد يجعله لاعبًا أساسيًا في منطقة البحر الأبيض المتوسط والمحيط الأطلسي، مما يمنحه أهمية بالغة على الساحة الدولية والإقليمية. يعتبر المغرب نقطة اتصال بين القارات الثلاث: إفريقيا، أوروبا، وآسيا، مما يجعله حلقة وصل طبيعية بين الغرب والشرق، بل ويعزز دوره في مجال التجارة والنقل البحري. وهذا الموقع يحتم عليه العمل على ان يستغل دوره كدولة بحرية بامتياز، حيث سيسهم في تحقيق الأمن البحري والسيطرة على طرق التجارة الدولية الحيوية.
ومع تطور الاستراتيجيات الجيوسياسية والاقتصادية في العالم، تحول المغرب فعلا إلى دولة تدمج قوتها البحرية مع شراكات إقليمية ودولية، محورية في تعزيز أدوارها الاقتصادية والسياسية. ففي السنوات الأخيرة، أظهر المغرب قدرته على الانتقال من مجرد دولة بحرية إلى قوة إقليمية تسعى للتموقع في قلب التحولات العالمية، وهو ما تجسد بوضوح من خلال المقاربات المتطورة التي تبناها لتعزيز علاقاته الاقتصادية والديبلوماسية.
المغرب كمحور للجنوب-الجنوب
أصبح المغرب يُعتبر لاعبًا مهمًا في تعزيز علاقات التعاون بين دول الجنوب (الدول الإفريقية ودول أمريكا اللاتينية وآسيا). وقد اعتمد المغرب بشكل واضح مقاربة اقتصادية تهدف إلى بناء علاقات جنوب-جنوب مستدامة، مركزة على تبادل المنافع الاقتصادية والمساهمة في تطوير البنية التحتية، وتحقيق التنمية المستدامة. وهذا يظهر بوضوح من خلال المبادرات التي أطلقها المغرب في مختلف أنحاء إفريقيا، مثل تقديم الدعم في مجال التعليم، الصحة، والطاقة المتجددة، فضلاً عن تعزيز الشراكات التجارية مع العديد من دول القارة السمراء.
هذا التحول في مقاربة المغرب يعكس فهمًا عميقًا لاحتياجات إفريقيا وضرورة تفعيل آليات التعاون الاقتصادي بعيدًا عن التنافس التقليدي أو المقاربة الصراعية. يرى المغرب أن دول الساحل والصحراء ليست مناطق نزاع وهشاشة، بل هي فرص اقتصادية واعدة يمكن استثمارها من خلال شراكات استراتيجية تساهم في استقرار المنطقة وازدهارها.
المغرب: موقف متقدم حول دول الساحل والصحراء
تسعى السياسة المغربية إلى تجاوز النظرة التقليدية التي كانت سائدة حول منطقة الساحل والصحراء باعتبارها بؤرة نزاع وحروب، إلى رؤيتها كمنطقة من الفرص الواعدة في إطار رؤية جديدة تعتمد على التعاون والشراكة. على عكس العديد من القوى الكبرى التي كانت تتعامل مع هذه المنطقة بمنهجية الحروب والصراعات، قدم المغرب نموذجًا مختلفًا، حيث يركز على تعزيز الشراكات الاقتصادية، الأمن الإقليمي، والبنية التحتية عبر مشاريع مشتركة مع دول الساحل مثل النيجر، مالي، موريتانيا، وتشاد.
هذا الموقف يعكس التحول في الرؤية الاستراتيجية المغربية التي تركز على مبادرة رابح-رابح (Win-Win) مع دول الساحل، بدلاً من فرض حلول خارجية قد تزيد من تعميق التحديات الأمنية والاقتصادية. فالمغرب لم يعد يراهن فقط على دوره كداعم للأمن الإقليمي، بل كفاعل رئيسي في تطوير الاقتصادات الإفريقية.
الشراكات الأطلسية: ديناميكية جديدة
من خلال تعزيز شراكات مع الدول الأطلسية، مثل الولايات المتحدة، فرنسا، والمملكة المتحدة، يسعى المغرب إلى خلق ديناميكية جديدة على مستوى القارة الإفريقية. فالمغرب يعد اليوم جسرًا بين إفريقيا وأوروبا، ويعمل على توسيع هذه الشراكات لتشمل التعاون في مجالات الأمن، الاقتصاد، والتنمية المستدامة.
في هذا السياق، يُعدّ تعزيز العلاقات مع الدول الأطلسية خطوة استراتيجية تندرج ضمن أجندة 2063 التي وضعتها الاتحاد الإفريقي، والتي تهدف إلى تحقيق التكامل الإقليمي وتحفيز التنمية الاقتصادية في القارة. يتبنى المغرب هذه الأجندة بشكل فعلي من خلال مشاركته في المبادرات الأطلسية، ومنها مبادرة دول الساحل، التي تهدف إلى تعزيز التعاون الأمني والاقتصادي بين دول الساحل عبر شراكات متكافئة تضمن التنمية المستدامة والحفاظ على الاستقرار.
ومبادرة الأطلسي لدول الساحل والتي أطلقها العاهل المغربي الملك محمد السادس في الذكرى 48للمسيرة الخضراء،هي تجسيد واقعي لهذا التحول الاستراتيجي الذي يعتمده المغرب. تهدف هذه المبادرة إلى تطوير البنية التحتية في المنطقة، تحفيز الاستثمارات، وتطوير آليات الأمن الإقليمي، بالإضافة إلى تعزيز دور القطاع الخاص في التنمية الاقتصادية. وفي هذا الإطار، يساهم المغرب في تقديم الخبرات في مجالات مثل الطاقات المتجددة، الزراعة المستدامة، والمشاريع الكبرى التي يمكن أن توفر فرص عمل وتساهم في تحريك اقتصادات دول الساحل.
من خلال هذه المبادرة، يُترجم المغرب أجندة 2063 إلى مشاريع ملموسة على الأرض، وهي المشاريع التي تهدف إلى الحد من الفقر، تعزيز الأمن الغذائي، وتعزيز التعاون بين دول الساحل، بما يساهم في بناء بيئة اقتصادية واجتماعية مستقرة.