مصطفى قطبي
تجمع الدراسات المنجزة حول الطبقة المتوسطة في المغرب، على قلتها، على قصور المعطيات الإحصائية المتوفرة عن إدراك الحجم الحقيقي لهذه الفئة، التي باتت الأكثر استهدافا… صعوبات تحديد الطبقة المتوسطة في المغرب، حسب بعض المحللين تنبع من أسباب موضوعية تعود بالأساس إلى غياب معطيات دقيقة حول مستويات الأجور في المغرب واتساع حجم القطاع غير المنظم، وأخرى ذاتية ترتبط بأسباب ثقافية وسياسية تحول دون إفصاح هذه الفئة المتوسطة عن نفسها في ظل سيادة القيم التقليدية بالمجتمع المغربي. والطبقة المتوسطة في المغرب تأتي بين فئتين أساسيتين داخل المجتمع، فئة عريضة من المعدمين، تبحث بصعوبة كبيرة عن أسباب البقاء، وفئة محدودة جداً من الأغنياء، استفادت بعد الاستقلال، من ثمار سياسة المغربة. كما استفادت كذلك من حالة الانفتاح، التي عرفها المغرب في مطلع الثمانينيات، وتستفيد إلى حدود اليوم من اقتصاد الريع، إذ تكونت هذه الفئة وتقوّت واشتدّ عودها.
واعتمادا على المنهجية الموسعة التي تتبناها المندوبية السامية للتخطيط، فالطبقة الوسطى المغربية تضم 19.7 مليون نسمة، أي 58.7 في المائة من إجمالي السكان، مقابل 31.2 في المائة بالنسبة للطبقة المتواضعة (الفقراء والفقراء نسبيا) و13 في المائة للطبقة الميسورة. وتضم 13.3 مليون نسمة يعيشون في الوسط الحضري (66.1 في المائة من السكان الحضريين) و6.4 مليون نسمة بالوسط القروي (47.6 في المائة من السكان القرويين). أما بالنسبة لتركيبة الطبقة الوسطى، برسم إحصائيات السنة ذاتها، فقد تشكلت في أغلبها من ذوي الدخول الريعية والمتقاعدين وغير النشيطين (34.5 في المائة)، والمستخدمين والحرفيين والعمال المؤهلين في المهن الحرفية (26 في المائة)، والعمال الفلاحيين وغير الفلاحيين (20.6 في المائة). هذه الأرقام في نظرنا، لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تكون دقيقة، في الوقت الذي نعيش في خضم تداعيات أزمة اقتصادية وعالمية شديدة، وفي الوقت الذي يعرف المغرب ارتفاعاً عاماً للأسعار وتكلفة الحياة، تتراجع العديد من القطاعات الإنتاجية، بخاصة المصدرة منها، علاوة على الوضعية المتأزمة التي يفقد فيها الآلاف من العمال وظائفهم. ومع ذلك لا يمكن أن ننكر بأنّ هناك مجهودات كبيرة تبذل وما زالت تبذل لحد الآن، في اتجاه تحسين مستوى الدخل الحقيقي…
إننا نعلم جميعاً بأنّ الطبقة الوسطى في المغرب، هي المحرك الأساسي للتنمية، لكننا اليوم نحن نعيش ركوداً… هذا الركود يفسر من بين ما يفسر به، بغياب طبقة وسطى، وضعف هذه الطبقة في المغرب ناتج عن ظرفية اقتصادية عالمية صعبة جداً، منذ سنوات، كما أنّ الضعف ناتج كذلك عن تراكم صعوبات ومشاكل عديدة نتجت عن تطبيق سياسات عمومية لم تكن كلها موفقة وناجحة، وناتج كذلك عن سياسة اقتصادية اعتمدت كثيراً على تحقيق التوازنات الماكرو اقتصادية الكبرى على حساب التوازنات الاجتماعية وتحسين ظروف عيش السكان. علينا أن نقرّ أنّ النظام الضريبي بالمغرب لا يساعد على بروز طبقة وسطى في المغرب، لأنّ الضريبة تبتلع جزءاً كبيراً من الأجور، وهذا يحول دون توسيع قاعدة الطبقة الوسطى في المغرب، على اعتبار أنّه يحد من قدراتها على الاستهلاك، ما ينعكس على النمو الاقتصادي، الذي يفترض أن يستند إلى الطلب الداخلي، أي الاستهلاك الذي تحفزه الطبقة الوسطى. وبخصوص ضعف الدخل، فإنّ تحرير أسعار بعض المواد الأولية، أفضى إلى الحدّ من الإمكانيات المادية لعدد من الفئات. ويسجل اليوم أنّ العديد من مكونات هذه الطبقة، من رجال التعليم، وصغار الموظفين، وأصحاب المهن الحرة، أصبحوا يحسبون على الطبقات الفقيرة، نتيجة الأزمات الاقتصادية، وتراجع مستويات الدخل، والضغوط التي أصبحت تتعايش فيها البلاد مع تحديات العولمة.
وعن جانب التعليم وسوق الشغل، يمكن القول إن خريجي الجامعات لم يعودوا يشتغلون في إدارات الدولة، بحيث يمكن أن تجد من بين العاطلين في المغرب من يحملون شهادات عليا، كان يفترض أن يغذوا قاعدة الوسطى، بل إنّ التشغيل لم يعد يعتمد على إمكانيات الفرد، وإنما على الوسط الذي كبر فيه، فيصعب جداً على خريجي الجامعة العمومية العثور على مناصب في شركات متعددة الجنسيات، لأنهم لا يتوفرون على الخلفية الأسرية والعلاقات، و”البريستيج” الذي يتمتع به خريجو مدرسة خاصة، أو حتى على المظهر الاجتماعي الذي يجذب مديري الشركات. أما بشأن ضعف الاستهلاك، فأغلبية الطبقة الوسطى تستعين على تلبية متطلباتها باللجوء إلى القروض، فأغلب شرائح هذه الطبقة مرتبطة بالقروض البنكية، وهذه الفئة غالباً ما تكون عاجزة عن تسديد ديونها، ما يدخلها في الاستدانة المفرطة، التي غالباً ما تؤدي إلى التفكك الأسري، والانقطاع المبكر عن الدراسة بالنسبة للأبناء، والتشغيل بالنسبة للأبناء دون السن القانوني، والتغذية غير السليمة والمتكاملة، لأنّ ربّ الأسرة غير قادر عن إعالة عائلته.
في تقديرنا الشخصي، ما تحتاجه الطبقة الوسطى في المغرب اليوم لتستمر ولا تزول، فهي إرادة سياسية قوية، تجعل من ثقافة التضامن وتكافؤ الفرص والمنافسة الحرة أولى أولوياتها، وتعمل على تحسين المستوى المادي والمعنوي للفئات المحرومة، وإلى توفير الخدمات الاجتماعية بالمجان وبالجودة المطلوبة، وتحتاج بالدرجة الأولى، إلى توسيع قاعدة الطبقة الوسطى، أولا في النمو، وهذا الأخير يفيد في المقام الأول تقليص الفوارق الاجتماعية، كما يفيد، وبدرجة أكبر، في مواجهة الفقر، الذي كلما تقلص كلما تقوت الطبقة الوسطى من الأسفل، لكن هذا غير كاف، إذ يجب طرح مقاربة خاصة، تهم تقوية هذه الطبقة من الأعلى برفع عوامل نموها، وأعتقد أنّ هذه الإرادة السياسية موجودة اليوم، ما يشكل ضمانة أخرى من أجل التغيير، والذي تحتاجه هذه الطبقة الوسطى كذلك هو مخطط عمل حقيقي وواضح المعالم، يجري على مدى متوسط وليس إجراءات آنية أو جزئية أو ردود فعل ظرفية، في الوقت الذي أضحى الفقر مشكلا بنيوياً ثابتاً ومستعصياً ومتعدد الجوانب…