الصحراء : قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة تكريس لواقعية ودينامية الديبلوماسية المغربية

كان واضحا من خطاب جلالة الملك محمد السادس نصره الله بمناسبة افتتاح الدورة الخريفية للمؤسسة التشريعية، بأن مسيرة تأكيد السيادة المغربية قانونيا على اقاليمه الجنوبية تسير نحو انعطاف ينهي الملف بناء على واقعية المبادرة المغربية للحكم الذاتي، والتي اقتنعت غالبية دول العالم بكونها الحل الوحيد الواقعي، بعد اتضاح استحالة إجراء الاستفتاء.

كان الاعتراف الأميركي في ديسمبر 2020، بالسيادة المغربية على الأقاليم الصحراوية، والذي راهن “البعض” على تراجع الإدارة الديمقراطية عنه، مؤشرا مهما على الانقلاب الذي طرأ على مواقف الدولة المؤثرة في القرار الدولي، وبعدها جاء الاعتراف الإسباني ” المستعمر السابق للمنطقة “، في ظل توافد دول القارة الافريقية على الأقاليم الجنوبية لفتح قنصليات لها كدلالة على أن التاريخ والواقعية والاستقرار يقتضي تثبيت مغربية الصحراء.
لم يكن الاعتراف الفرنسي مفاجأ، رغم أهميته، إذ كان على فرنسا أن تساير مواقف دول القارة أوروبية وأميركا اللاتينية، وأغلب دول الجامعة العربية والكثير من دول الاتحاد الأفريقي، ممن عبرت رسميا عن أن مبادرة “الحكم الذاتي” هي الحل الأمثل والواقعي والجدي والموثوق به والممكن التوافق بشأنه.

إعتراف دولي

يعترف غالبية الخبراء السياسيين بأن الديبلوماسية المغربية بقيادة جلالة الملك، سجلت مكاسب مهمة في الصراع الدبلوماسي الدولي، لإقناع العالم بوجاهة مبادرته ” للحكم الذاتي”، وبعدالة موقفه وبحقوقه التاريخية والمشروعة “رغم السياق الدولي الصعب والمعقد” كما قال جلالة الملك“، مما يسقط نهائيا مطالب غريمه الانفصالي ومن وراءه الجزائر، المطالب بـ”تقرير المصير” عبر استفتاء السكان من أصول صحراوية، الفاقد للمعايير والمعقولية.

ثقة المغرب في مواقفه وقوة ديبلوماسيته وواقعية سياسته ومكانته على المستوى الدولي، صدمت اعداءه، الذين اعتبروا أن القرار القضائي الصادر في أكتوبر 2024 عن محكمة العدل الأوروبية، القاضي بإلغاء الاتفاقيات التجارية بين الاتحاد الأوروبي والمغرب بشأن الصيد البحري والمنتجات الزراعية، انتصارا.

كان الرد المغربي حاسما ” المغرب غير معني بأي حال من الأحوال بقرار محكمة العدل التابعة للاتحاد الأوروبي”. خاصة وأن المملكة المغربية “لم تشارك في أي مرحلة من مراحل هذا الإجراء”، وبالتالي وبثقة أكدت المملكة عن موقفها بعدم الانضمام إلى اتفاق لا يحترم سلامته الإقليمية ووحدته الترابية الكاملة.

وتوالت الصدمات لمناوئي الوحدة الترابية، بعد تأكيد غالبية الدول الأوروبية كونها غير معنية بقرار المحكمة، مع تمسكها بالشراكة الاستراتيجية مع المغرب والحاجة إلى “الحفاظ على العلاقات الوثيقة معه وتعزيزها في جميع مجالات الشراكة”، بالموازاة مع ذلك رفضت خمس وعشرين دولة أعضاء بالبرلمان الأوروبي، طرح قضية الصحراء ضمن جدول أعمال البرلمان، مجددة تأكيدها على دعم قرارات الأمم المتحدة لإيجاد حل سياسي عادل وواقعي وعملي ومستدام ومقبول من الطرفين.

الاعتراف الفرنسي

“فرنسا تعرف جيدا حقيقة وخلفيات هذا النزاع الإقليمي”. يقول جلالة الملك، لهذا يكتسي الاعتراف الفرنسي أهمية كبرى، إضافة لكونها دولة عضو في مجلس الأمن، وهو ما أكده الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ، خلال زيارته للرباط ، حيث قال بأن بلاده ستكثف جهودها “دبلوماسيا” في الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي لدعم مقترح الحكم الذاتي الذي يطرحه المغرب كحل للنزاع.

وعبر ماكرون عن قناعته بأن الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية هو الإطار الأنسب لحل القضية، مشيرا إلى أن موقف فرنسا ليس معاديا لأي طرف، بل يهدف لدعم الاستقرار في المنطقة.
وكان مدير برامج شمال أفريقيا بمعهد الولايات المتحدة للسلام” ، دكتور توماس هيل، قد أكد أن اعتراف فرنسا بالسيادة المغربية يعد خطوة حاسمة نحو إنهاء صراع الصحراء ، وقال : “لقد انتهى الصراع في الصحراء ، والآن يأتي دور التفاوض على الشروط، وأنه ينبغي للبوليساريو والجزائر التفاوض على شروط السلام قبل أن يصبح الوضع الراهن دائما”.

وأضاف أن “إنهاء الحرب، فضلا عن إزالة مصدر إزعاج رئيس للعلاقات المغربية- الجزائرية، من شأنه تحسين الاستقرار الإقليمي وإنقاذ الكثير من السكان بلا جنسية ويعيشون في بؤس بمخيمات تندوف“.
قرار مجلس الأمن تأييد للواقعية
أعلن مجلس الأمن عن تمديد تفويض بعثة الأمم المتحدة بالصحراء حتى 31 أكتوبر 2025، مع التأكيد على ضرورة اعتماد حل سياسي “واقعي ومقبول” للنزاع القائم، كان إشارة واضحة للمبادرة المغربية واعتراف ضمني باستبعاد باقي المبادرات والمطالب الفاقدة للواقعية بما فيها مقترح مبعوث الأمين العام للصحراء دي ميستورا .
القرار صاغته واقترحته الولايات المتحدة وحظي بدعم 12 عضوا من أصل 15 عضوا في المجلس، فيما امتنعت كل من روسيا وموزمبيق عن التصويت، وتم رفض التعديلات المقترحة عليه من الجزائر جملة وتفصيلا.

ترحيب مغربي

جاء اول رد فعل على قرار مجلس الامن الدولي ، من وزارة الخارجية والتعاون المغربية ، والتي رحبت بتبني مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، للقرار 2756، الذي يمدد ولاية المينورسو إلى غاية 31 أكتوبر 2025، مشيرة في بيان بهذا الخصوص إلى أن هذا القرار يأتي في سياق يتسم بالمسار الذي لا رجعة فيه الذي رسمه جلالة الملك محمد السادس، في قضية الوحدة الترابية للمملكة، من خلال الدعم المتزايد للأعضاء الدائمين في مجلس الأمن والبلدان المؤثرة لمغربية الصحراء ومبادرة الحكم الذاتي المغربي، واستمرار سحب الاعتراف بـ “الجمهورية الصحراوية الوهمية” .

وأوضح بيان الخارجية المغربية أن “القرار الذي تم تبنيه، يحافظ على جميع المكتسبات التي حققها المغرب، كما يدرج أيضا عناصر جديدة مهمة للتطور المستقبلي للقضية داخل الأمم المتحدة“.
ووصفت الخارجية المغربية ،عدم مشاركة

في التصويت ، بأنه يدل على عزلة موقف هذا البلد داخل مجلس الأمن والمجموعة الدولية عموما ويكشف بشكل فاضح تناقضاتها: فهي تدعي الدفاع عن الشرعية الدولية وقرارات مجلس الأمن وجهود الأمم المتحدة، وترفض في نفس الوقت ذاته دعم هذه الجهود وتشجع التشبث بمنطق العرقلة”.

وكانت الجزائر قد تقدمت بمقترحين للتعديل على قرار التمديد، الأول يتعلق بسحب اسمها كطرف معني بهذا القرار تم رفضه مما يكرس دورها كطرف رئيسي في النزاع، والمقترح الثاني يتعلق بتوسيع صلاحيات بعثة “المينورسو” لتشمل القضايا المتعلقة بحقوق الإنسان، غير أن المجلس رفضه مشيدا بالدور الذي تقوم به لجنتي حقوق الانسان بالعيون والداخلة.
وأمام عجز الجزائر في إحداث أي تغيير في القرار الذي تم اعتماده، اضطر ممثلها إلى القول، حسب منصة الأمم المتحدة، بأن “التصويت على هذا القرار لا يغير شيئًا في جوهر هذه المسألة” .

رفض خارج السياق

كما كان متوقعا، كررت جبهة البوليساريو رفضها “القاطع” لمقترح الحكم الذاتي واعتبرت أن القرار مجلس الامن رقم 2756 : “اختار مرة أخرى تمديداً تقنياً لولاية البعثة، مما يدل على استمرار نفوذ بعض الأعضاء المؤثرين الذين ما زالوا يمنعون المجلس من العمل بحزم واتخاذ تدابير عملية لتمكين المينورسو من التنفيذ الكامل لولايتها على النحو المحدد في قرار مجلس الأمن 690“.
في ردها على دعوة المجلس للأطراف إلى الانخراط في مسلسل الاجتماعات المشتركة، زعمت الجبهة انها « لن تشارك في أي عملية سلام لا تقوم على قرارات مجلس الأمن ككل متكامل وعلى نص وروح قرارات الجمعية العامة وأحكام خطة التسوية التي هي أساس ولاية المينورسو وسبب وجودها”.

ويعتبر رفض البوليساريو الذي يتم املاءه من قبل حاضنتها الجزائر ، دليل على أنها تعيش خارج الواقعية والسياق الدولي ، وتبني مواقفها على ايديولوجيات سياسية ” ماضوية “ لم تعد مقبولة في على المستوى الدولي .
وهو ما عبرت عنه حركة “صحراويون من أجل السلام” في بيان لها ، والتي دعت سكان مخيمات اللاجئين في تندوف إلى التحرك في ظل هذه الظروف المعقدة وبالحس السليم والمسؤولية التاريخية، بهدف كسر الجمود وقيود الماضي واتخاذ خطوة نحو المستقبل
واعتبرت أن مقترح الحكم الذاتي يمثل الأساس الأمثل لاستكشاف سبل التفاهم بشأن الوضع في الصحراء، بدلاً من استنزاف القوى في ملاحقة المشاريع غير الواقعية.
وأكدت صحراويون من أجل السلام على أن الحل السلمي للنزاع هو الحل الذي لا يوجد فيه رابحون أو خاسرون، مشيرة إلى ضرورة التفاهم باعتباره مساراً نحو مستقبل أفضل للجميع.

اراء ووجهات نظر

 

محمد بودن، الخبير في الشؤون الدولية المعاصرة :
“القرار الأممي 2756، يمثل انعكاسا للدينامية الدولية بشأن سيادة المغرب على صحرائه، والتأييد الدولي الواسع الذي يتمتع به الموقف السيادي الوطني، بقيادة الملك محمد السادس. كما يعزز هذا القرار دور المملكة المغربية كدولة محورية في المنطقة، ويقر بالزخم المحقق على ضوء مواقف أعضاء في مجلس الأمن، واستمرار دعم مبادرة الحكم الذاتي، وسحب الاعترافات بالكيان الوهمي، بما يختزن دعما لسيادة المغرب على صحرائه وإرادته على وحدته الترابية”.

“القرار 2756 عزز فكرة الحل السياسي على أساس معايير الحل السياسي المنصوص عليها في البند الثاني منه وزكي سمو مبادرة الحكم الذاتي وأهمية أبعادها الخلاقة والبناءة وبالمقابل، فإن القرارات الأممية لا تتضمن أي إشارة إلى تقرير المصير على أساس الاستفتاء، للسنة الـ23، على التوالي”.

منصف السليمي صحفي متخصص في شؤون شمال افريقيا بالإذاعة الألمانية :

“على الصعيد الديبلوماسي، ظلت خطة الحكم الذاتي الموسع التي طرحها المغرب، تكسب المزيد من التأييد باعتبارها “حلّا واقعيا وبنّاء”، في نظر عواصم غربية مؤثرة في القرار الدولي المتصل تاريخيا بنزاع الصحراء، بدءأ بإدارة الرئيس الجمهوري السابق دونالد ترامب التي أعلنت اعترافها بسيادة المغرب على الصحراء، ثم مدريد التي أيدت خطة الحكم الذاتي التي طرحتها الرباط، ووصولا إلى باريس بإعلان الرئيس إيمانويل ماكرون في شهر يوليو الماضي اعتراف فرنسا بالسيادة المغربية على الصحراء وتأييده لإنهاء النزاع في إطار خطة الحكم الذاتي الموسع التي طرحها المغرب باعتبارها “الأساس الوحيد” لحلّ النزاع”.

برأي محللين: لا حل بدون حوار بين المغرب والجزائر” المعني اساسا”

” فرص تسوية هذا النزاع ، تحتاج إلى إعادة طرق الباب الصعب المتمثل في الحوار بين الجزائر والمغرب من أجل تقارب يؤدي إلى وقف دوامة الصراعات المتفاقمة باحتوائها وطي نزاع الصحراء في إطار توافق يحفظ للجميع الحقوق المشروعة والمصالح المتبادلة وماء الوجه دون غالب أو مغلوب. ويجلب في نهاية المطاف الاستقرار ليس فقط للمنطقة المغاربية بل وضع أرضية لشراكة مستدامة مع أوروبا التي تبدو في أمس الحاجة إلى شريك مغاربي مستقر”.

محمد دراريس أستاذ جامعي باحث بجامعة محمد الاول بوجدة:

نحن نسير نحو اغلاق نهائي لهذا الملف المختلق، قرارات مجلس الامن تنهي أي جدل حول الحلول الفضلاء لطي قضية الصحراء، اذ تعترف بعدم واقعية واستحالة تنظيم “الاستفتاء في الصحراء، كما تشير الى أن خلاصات المبعوث الاممي الخاص الى الصحراء خارج السياق، بدليل اقتراحه الاخير ، المرفوض من كل الاطراف.
يبدو أن المبعوث الاممي للصحراء غير مدرك للتحولات التي تعرفها الساحة الدولية وهذا يتطلب منه اعادة النظر في جهوده بواقعية خلاصات قرارات مجلس الامن .
القرارات الاممية، والاعتراف الدولية ،تؤكد على واقعية مبادرة الحكم الذاتي كحل ملائم وواقعي ويمكن تطبيقه على ارض الواقع .

أقرأ المزيد…

يمكنكم مشاركة المقال على منصتكم المفضلة