–العلاقات المغربية الموريتانية النواة الأولى لإرساء أسس وآليات التكامل الاقتصادي الجهوي والاقليمي
– دولة العساكر تروج لمحور الشر أو ” التكتل المغاربي الفاشل” ويضم إضافة للجزائر تونس و”البعض” من دولة ليبيا
حوار : علي الانصاري
في الحوار التالي مع الدكتور محمد الكيحل، أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالمعهد الجامعي للدراسات الافريقية جامعة محمد الخامس الرباط، ورئيس مركز اشعاع للدراسات الجيوسياسية والاستراتيجية ، القاء نظرة على الدينامية التي تعرفها العلاقات المغربية الموريتانية ومستقبل تلك العلاقات في ظل المبادرات الملكية الاستراتيجية بشأن التعاون مع افريقيا الغربية.
ويشير الباحث الاستراتيجي الى اهمية تطوير تلك العلاقات من اجل تجسيد واقعي للمبادرات الملكية ومحاصرة محور الشر العسكري الجزائري .
كما يؤكد على ان المبادرات الملكية نحو افريقيا ، سيكون لها دور اساسي في نشر الاستقرار والتنمية ووقف الصراعات في افريقيا وتعزيز التعاون الاقليمي، نص الحوار:
* أشرفتم خلال الشهر الماضي على تنظيم الملتقى العلمي الثاني لمركز إشعاع للدراسات الجيوسياسية والاستراتيجية الذي تترأسونه بمشاركة متميزة من دكاترة من داخل المغرب وخارجه، كيف تقيمون مخرجات هذا الملتقى والحصيلة العلمية له؟
** كما تعلمون الملتقى العلمي الثاني كان موضوعه هو ” اقتصاد الحدود ورهانات الاندماج الاقليمي”، وقد كان مركز إشعاع سباقا لطرحه؛ فاختياره لم يكن اعتباطيا أو وليد الصدفة بل أمله سياقات اقليمية ودولية أعادت موضوع الحدود لدائرة النقاش من جديد بالقارة الافريقية بالنظر لما يطرحه من تحديات واكراهات عديدة على من الدول المتجاورة. لقد ظلت معضلة الحدود تشكل موضوعا معقدا ومركبا ويطرح إشكاليات وتحديات ذو أبعاد وتجليات وامتدادات إقليمية؛ تتداخل فيها جوانب سيادية وقانونية وسياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية وأمنية وجيواستراتيجية، فضلا عن كونه موضوعا يشكل تناوله حساسية كبيرة لدى سلطات بلدان المتجاورة بالنظر إلى حجم الإشكاليات المعقدة والمركبة التي تطرحها المعضلة الحدودية من جهة، وكذلك بالنظر إلى الحساسية الكبيرة التي يطرحها تناول هذه المعضلة من قبل الجهات الرسمية ببلدان المنطقة من جهة ثانية.
لقد انصب النقاش والتحليل والتفكير على مدار يومين كاملين، وقد كنتم من ضمن المشاركين الذين ساهموا في هذا المنتدى بمداخلة قيمة موسومة بعنوان” اقتصاد الحدود المشتركة اقتصاد الحدود المشتركة… فرص التنمية والاندماج الإقليمي :المغرب افريقيا الغربية نموذجا، فرص التنمية والاندماج الإقليمي :المغرب افريقيا الغربية نموذجا”، على المواضيع والإشكاليات المحورية التي يطرحها موضوع الحدود من قبيل: الترسيم القانوني للحدود والمجالات السيادية بإفريقيا؛ معضلة الحدود ورهانات التكامل الاقتصادي الجهوي؛ أزمات الحدود ومخاطر التهديدات الأمنية المتنامية؛ آفاق التعاون المغاربي في ظل التحولات الجيواستراتيجية.
أما من حيث المخرجات العلمية لهذا المنتدى، فقد كانت الحصيلة العلمية ولله الحمد غنية بالنظر إلى القيمة العلمية للأساتذة الجامعيين والخبراء الذين ساهموا في هذا المنتدى بمداخلات علمية رزينة تخللها نقاش علمي رفيع ونقاش فكري لا تحكمه خلفيات سياسية أو إيديولوجية، وهذا ما تجسده ملخصات المداخلات المتضمنة في ملف المنتدى ، وهي في الحقيقة تكشف بشكل جلي عن حجم التحديات والإكراهات المرتبطة بمعضلة الحدود بالقارة الافريقية.كما تحمل هذه الملخصات رؤى وتصورات استشرافية حول الآفاق الواعدة لاقتصاد الحدود في المنطقة الافريقية وخاصة منطقة الغرب الافريقي و منطقة الساحل في ظل المبادرات الرائدة التي أطلقتها المملكة المغربية بقيادة جلالة الملك محمد السادس ونخص بالذكر أنبوب الغاز النيجيري المغربي والمبادرة الأطلسية ومبادرة ولوج دول الساحل إلى المحيط الأطلسي، وكل هذه المبادرات ستحول المنطقة من بؤر للتوتر والارهاب إلى منطقة اقتصادية واعدة بالنظر إلى الإمكانيات الطبيعية الهائلة الت تزخر بها المنطقة.
وفي هذا الإطار، أخبركم بأن مركز إشعاع بصدد إعداد ورقة بحثية حول المخرجات العلمية لهذا المنتدى العلمي وسيتم توزيعها على الأوساط الصحافية والجامعية وكل الجهات والأطراف المعنية؛ خاصة وأن موضوع الحدود ظل بعيدا عن النقاش العام والأكاديمي بالرغم ما يطرحه من معضلات أمنية واقتصادية واجتماعية وبيئية لا سيما في ظل اختلاف وجهات نظر الأنظمة السياسية القائمة بالمنطقة حول تدبير هذه الإشكالية الشائكة التي هي من مخلفات الحقبة الاستعمارية بالمنطقة .
*في هذا الإطار، تشهد العلاقات المغربية الموريتانية، تطورا ملحوظا، خاصة بعد اللقاء الذي جمع جلالة الملك محمد السادس نصره الله بالرئيس الموريتاني ولد الغزواني، كيف ترى مسار هذه العلاقات؟
** أعتقد أن مسار هذه العلاقات ستكون واعدة ومزدهرة للعديد من الاعتبارات في مقدمتها عراقة ومتانة الروابط التاريخية والثقافية واللغوية والمشترك الحضاري بين المملكة المغربية والجمهورية الإسلامية الموريتانية. كما أن البلدان تتمتعان بموقع جيواستراتيجي جد هام كصلة وصل بين القارة الاوروبية والإفريقية ويشكلان عمقا تاريخيا وحصنا للعالم الاسلامي؛ فمن أراضيهما انتشر الاسلام في القارة الافريقية ومن أراضيهما انطلقت الفتوحات الاسلامية في القارة الاوروبية وخاصة في شبه الجزيرة الإيبيرية.
ولا شك أن لقاء قائدي البلدين مؤخرا ستعطي دفعة قوية لتقوية العلاقات المغربية الموريتانية حتى تكون في مستوى تطلعات الشعبين الشقيقين وفي مستوى التحديات الاقليمية والرهانات الجيوسياسية قيد التشكل بالمنطقة؛ فالعلاقات المغربية وإن كانت قد شهدت تقدما ملحوظا في السنوات الأخيرة وتعكس الرغبة المشتركة للبلدين في تعزيز الروابط الثنائية، لكنها اليوم في حاجة إلى وضع إطار للتعاون في مختلف المجالات، وهنا لا بد من الجارة الجنوبية أن تنخرط في المشاريع الاستراتيجية التي أطلقتها المملكة في منطقة الإفريقية الأطلسية ومنطقة الساحل والصحراء الكبرى، طبعا يتفهم المغاربة الضغوط التي تتعرض لها موريتانيا من نظام العسكر الجزائري ودميته جبهة البوليساريو الانفصالية والإرهابية، لان أي تقارب مغربي موريتاني سيعصف بكل الأطروحات والأجندات التي يحيكها النظام العسكري الجزائري الذي هدفه الأساسي هو تنفيذ السياسة الاستعمارية الفرنسية الخبيثة في المنطقة والتي من أولوياتها زعزعة استقرار بلدان المنطقة ومنع أي تقارب بين دولها لما فيه مصلحة شعوبها، وحتى يتسنى للقوى الاستعمارية وفي مقدمتها فرنسا بسط هيمنتها على مقدرات شعوب المنطقة وتفكيك مقوماتها الثقافية واللغوية وهوياتها المشتركة. والحمد لله اللقاء الأخير بين جلالة الملك محمد السادس وفخامة الرئيس الموريتاني محمد ولد الغزاوي قد أعطا إشارات قوية لإعطاء نفس استراتيجي للعلاقات المغربية الموريتانية والتي هي محكومة بالحتمية الاستراتيجية كما يؤكد على ذلك الدكتور محمد الطيار الخبير في الشؤون الأمنية والاستراتيجية والباحث في مركز إشعاع للدراسات الجيوسياسية والاستراتيجية.
*بالإضافة إلى ما يجمع المغرب بموريتانيا من قواسم مشتركة تاريخية ودينية ولغوية وأيضا عرقية، يتميز البلدان بموقع متميز على المحيط الأطلسي، كيف يمكن أن يلعب ذلك دورا في تعاون اقتصادي يساهم في تنمية المنطقة، ويكون رافعة لدول الجوار الافريقي؟
** أكيد أن التعاون المغربي الموريتاني يعد لبنة أساسية في بناء تعاون اقتصادي يساهم في تنمية المنطقة الأطلسية والساحلية ككل، بل يمكن أن يشكل هذا التعاون إطار للتكامل والاندماج الاقليمي ؛ وتشكل المبادرات الملكية الأطلسية والساحلية وبعموم القارة الافريقية في إطار سياسة رابح- رابح التي تؤطر العلاقات المغربية في سياساتها الخارجية وفي مقدمتها القارة الافريقية، النواة الأولى لإرساء أسس وآليات التكامل الاقتصادي الجهوي والاقليمي؛ وذلك بالنظر إلى حجم وقيمة المشاريع التي أطلقتها المملكة المغربية بقيادة جلالة الملك محمد السادس، وهي مشاريع ذات حمولات وامتدادات اقليمية وقارية وذات بعد ودلالات جيواستراتيجية؛ فهذه المشاريع توفر إمكانات غير مسبوقة من شأنها تقديم حلول مناسبة لتعزيز الاندماج والتعاون الإقليميين والتحول الهيكلي لاقتصادات هذه الدول وتحسين الظروف المعيشية لساكنتها التي ظلت تجمعها على مدار التاريخ روابط الدين والعقيدة والانتماء الافريقي والمصير المشترك؛
وتعد موريتانيا المستفيد الأكبر من المشاريع المغربية العابرة للحدود حيث أعادت لدولة موريتانيا الشقيقة مكانتها الاقليمية الطبيعية وجعلتها في قلب المعادلات الجيواقتصادية والجيوسياسية قيد التشكل بالمنطقة؛ وذلك بالنظر إلى الدور الحيوي والهام الذي تضطلع به الجمهورية الإسلامية الموريتانية في إنجاح المشاريع المغربية الاقتصادية التي تندرج في إطار المبادرة الأطلسية والساحلية والمشروع الجيواستراتجي لأنبوب الغاز النيجيري المغربي. ولا ننسى أن موريتانيا دولة غنية بثرواتها الطبيعية فهي تملك أكبر احتياطي من معدن الحديد كما أنها ستصبح دولة بترولية وغازية مهمية تنافس نيجريا والجزائر في هذا المجال خاصة بعد الاكتشافات الهائلة للذهب الأزرق الذي تحتوي أراضي بلاد شننقيط على احتياطات هائلة. وكل هذه المعطيات تفرض تقوية العلاقات المغربية الموريتانية كما تستلزم الشراكة المغربية الموريتانية انخراط الفاعلين الاقتصاديين والترابيين والأحزاب السياسية وجمعيات المجتمع المدني والمؤسسات الجامعية ومراكز الدراسات والأبحاث في تشكل ومسار هذه العلاقات؛ لتحقيق طموحات البلدين الشقيقين في التنمية المشتركة خاصة في ظل رؤية البلدين المرتكزة على المشاريع التنموية المشتركة والتي من شأنها أن تساهم في إعادة تشكيل الوضع الجيوسياسي والاقتصادي في شمال افريقيا وتكون نقطة انطلاق لإحياء الاتحاد المغاربي- المجمد آلياته بسبب التعنت الجزائري المعاكس لطموحات شعوب المنطقة وتبنيه لطروحات أصبحت متجاوزة في ظل المعطيات التاريخية والتحولات الدولية والاقليمية الراهنة.
* هل سيسهم التعاون المغربي الموريتاني في إعادة الاستقرار والأمن لمنطقة غرب إفريقيا والساحل؟
**بالطبع، فتطور وازدهار العلاقات المغربية الموريتانية سيعود بفوائد اقتصادية ومزايا أمنية وجيواستراتيجة كبيرة على المنطقة بالنظر إلى المكانة التي تحظى بها الدولتين في المنطقة. فمن المؤكد أن تنامي التعاون المغربي الموريتاني سيساهم حتما في تنمية ومضاعفة الصادرات المغربية إلى افريقيا وتقوية العلاقات المغربية الافريقية في مختلف المجالات بشكل عام؛ لكن دعني هنا أسجل أن المبادلات المغربية الموريتانية لا ترقى إلى مستوى تطلعات وانتظارات الشعبين وإلى حجم الإمكانيات التي يتوفر عليها البلدين كما تؤكد على ذلك المعطيات الرسمية الصادرة عن البلدين.
اليوم هناك فعلا تقارب كبير يحدث بين البلدين الجارين وهذا التقارب يأتي بعد ما فشلت الجزائر في كل محاولات الضغط على موريتانيا؛ سواء من خلال الضغط من أجل الانضمام إلى محور الشر الذي تروج له دولة العساكر، أي” التكتل المغاربي الفاشل” الذي يضم الجزائر وتونس ونصف دولة ليبيا، أو من خلال الضغط على موريتانيا لغلق معبر الكركرات، أو عبر اتخاذ مجموعة من الخطوات من قبل نظام العسكر لخلق بديل تجاري آخر وكذا محاولتها للضغط على موريتانيا من أجل الانسحاب من مشروع خط الغاز النيجيري المغربي، لكن كل هذه المحاولات باءت بالفشل فاتضح بعد ذلك أن موريتانيا تتجه عكس ذلك أي التقارب مع المغرب، وبالتالي لم يبق للجزائر سوى خيار واحد هو التهديد بورقة الضغط العسكري والذي قد يدفعها إلى اتخاذ خطوات متهورة تقودها إلى القيام بانقلاب عسكري على فخامة الرئيس محمد ولد الغزواني الذي يجيد حكم دولة موريتانيا بذكاء وحنكة عالية؛ سيما في ظل التحولات التي تعرفها المنطقة والضغوطات المفروضة عليه من طرف عسكر الجزائر وميليشيات مرتزقة البوليساريو، وهنا لابد من المغرب من مساعدة موريتانيا أمنيا واستخباراتيا ولما لا عسكريا. ويجب على الاشقاء في بلاد شنقيط ألا يفهموا أن هذا التعاون هو تدخل مغربي في موريتانيا، فمن المعروف أن من ثوابت السياسة الخارجية المغربية هو عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول واحترام وحدتها الترابية وسيادتها الوطنية.
موريتانيا بلد كبير وشاسع جدا، لكنها يحتاج إلى امكانيات كبيرة لتحقيق نهضة اقتصادية وتنموية واعدة ؛ وهي لا تحتاج في نهضتها التنموية إلى دول الجوار الجغرافي، ولا تحتاج في ذلك إلى دول خارج فضائها الإقليمي كفرنسا أو حلف الناتو أو روسيا أو الصين …الخ، فهذه البلدان تبتعد عليها بخمسة أو ستة آلاف من الكيلومترات، بل تحتاج إلى استقرارها السياسي ونهضتها التنموية إلى دول الجوار الجغرافي وفي مقدمتها المملكة المغربية؛ فلو تحدثنا بخلفية تاريخية وجغرافية وثقافية ودينية لا يمكن فصل البلدين فالمغرب هو أفضل شريك يمكن أن تعتمد عليه موريتانيا، سواء على مستوى الجانب الامني والعسكري أو الاقتصادي.
والسؤال الذي يجب طرحه هنا، لماذا لا نشهد تعاون استراتيجي حقيقي بين البلدين هما في الأصل بلد واحد لماذا لا نشهد ربما اتحاد فيديرالي بين البلين ويشمل حتى السينغال لماذا لا نشهد جيش واحد يدافع على كل هذه البلدان الثلاثة، فالبلدين الجارين يعتبر أحدهما امتداد جغرافي وعمق استراتيجي للآخر، ولذلك يحتاجان إلى شراكة اقتصادية وأمنية وعسكرية حقيقية لحماية مصالحهما العليا والاستراتيجية. فمن جهة تعتبر المملكة تعتبر لاعيا إقليميا أساسيا في استثبات الأمن والاستقرار الإقليمي وضمان الأمن والسلم الدولي، ومن جهتها تعد موريتانيا لاعبا رئيسيا في منطقة المغرب العربي ومنطقة الساحل الافريقي؛ وذلك بفضل موقعها الجغرافي الذي يربط بين الجارتين المغرب والجزائر ومنذ اندلاع الصراء المفتعل حول الصحراء المغربية، أصبحت نواقشوط طرفا ذا تأثير واضح في تحقيق التوازن الإقليمي. هذا الموقع الجيوسياسي يجعلها جسرا بين شمال افريقيا ومنطقة الساحل، مما يمنحها دورا اساسيا في مواجهة التحديات الأمنية والاقتصادية.
*ألا ترى أن علاقات قوية مع موريتانيا تساهم في إنهاء ملف الوحدة الوطنية المختلق؟
**دور موريتانيا في إيجاد حل لهذا النزاع المفتعل الذي طال أمده يعتبر محوريا للعديد من الاعتبارات، في مقدمتها الاعتبار التاريخي فموريتانيا تعرف أكثر من أي دولة أخرى الخلفيات الأيديولوجية والسياسية التي كانت وراء خلق هذا النزاع من قبل جنيرالات الجزائر وبمساعدة نظلم معمر القذافي البائد لمضايقة النظام المغربي ومعاكسة حقوقه التاريخية والمشروعة في بسط كامل نفوذه على كافة أراضيه الحقة، وكذلك من أجل إيجاد منفذ إلى المحيط الأطلسي للجارة الشرقية وهذا حديث آخر. فمنذ بداية النزاع المفتعل حول الصحراء المغربية كانت موريتانيا ولازالت ذات تأثير محوري في المنطقة المغاربية، فعلاوة عن موقعها الجغرافي الذي يضعها بين المغرب والجزائر، تعتبر من الأطراف الفاعلة في أي محاولة لحل هذا النزاع وهذا ما يجعلها حاضرة في مل القرارات الصادرة عن مجلس الامن الدولي حول هذه القضية؛ لكن ومع ذلك فأن تداخل مصالحها السياسية والاقتصادية مع البلدين المغرب والجزائر يجعل دورها في حل النزاع محدودا وحيويا في الان معا ، بحكم الضغوطات الممارسة عليها من قبل عسكر الجزائر المارقة التي تخالف توجهات سياستها الخارجية الحقائق التاريخية والمعطيات الجغرافية.
لكن الملاحظ هو هذا التقارب الجلي والحذر بين الرباط ونواقشوط وهو التقارب الذي ترجمه اللقاء الاخير بين جلالة الملك محمد السادس وفخامة الرئيس الموريتاني محمد ولد الغزواني الذي كلن في زيارة خاصة إلى المغرب، ومن طرح العديد من الخبراء والمتتبعين تساؤلات حول الإمكانيات المتاحة للجمهورية الاسلامية الموريتانية في لعب دور أكثر فاعلية في تسوية هذا النزاع المصطنع، خاصة في ظل علاقاتها المتشابكة مع الأطراف المعنية أي المغرب والجزائر صنيعة الاستعمار الفرنسي، لكن هناك من يرى بأن قدراتها على القيام بدور لحل هذا الملف تبقى صعبة مما يجعلها غير قادرة على التحرك أو المبادرة؛ وغاليا ما تفضل موريتانيا مراقبة الاوضاع عن كثب بداعي انتهاج بلاد شنقيط الحياد الايجابي في هذا الصراع وهو أمر مفهوم وموضوعي وان ان هذا النزاع يؤثر بشكل سلبي على موريتانيا سواء من الناحية الاقتصادية أو الأمنية، فموريتانيا تجد نفسها بين المطرقة والسندان؛ فلا هي قادرة على المساهمة في حل هذا النزاع/ ولا هي قادرة على رسم توجهات سياساتها الخارجية انطلاقا من مصالحها، ويعتبر هذا النزاع من العوامل التي ساعدت كثيرا على المستوى المتدني للتنمية الاقتصادية بلاد شنقيط بالرغم من مؤهلاتها الاقتصادية والطبيعية الهائلة.
وفي كل الحالات تبقى هناك حتمية استراتيجية لبناء شراكة موسعة بين المغرب وموريتنايا كما يؤكد على ذلك محمد الطيار الخبير في الدراسات الامنية والاستراتيجية؛ فالتطورات الحاصلة في قضية الصحراء المغربية خاصة بعد اعتراف العديد من الدول الوازنة كالولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا وإسبانيا وألمانيا وغيرها من الدول من مختلف القارات بسيادة المغرب على صحرائه، ورفض الصين وروسيا حضور يافطة الجمهورية الوهمية في كل لقاءات الشراكات التي تجمعهما مع دول منظمة الاتحاد الافريقي، وقيام المغرب بفتح مشاريع استراتيجية كبرى بالمنطقة، كتمكين دول الساحل من الوصول إلى المحيط الأطلسي وغيرها من المشاريع التي تهم عموم افريقيا، فضلا عن انكماش الدور الجزائري ودخول مليشيات البوليساريو في مرحلة الانهيار والتفكك، كلها عوامل تجعل موريتانيا تقف على حجم التغيرات الاستراتيجية الكبيرة التي حدثت في ملف الصحراء وفي محيطها الإقليمي، في وقت أصبح فيه النظام العسكري الجزائري الذي فرض عنوة وبالتهديد على موريتانيا الموقف الذي تسميه ب ” الحيادي” في قضية الصحراء المغربية، أكثر ضعفا وترهلا وأكثر عزلة، فضلا عن تعدد الصراعات بين أجنحته والتراجع على جميع المستويات، لدرجة أصبحت مواقف الجزائر وقراراتها الداخلية والخارجية، محل استغراب واستنكار واستهجان وسخرية كما يؤكد ذلك الدكتور محمد الطيار الباحث في مركز إشعاع للدراسات الجيوسياسية و الاستراتيجية والخبير في الشؤون الأمنية والاستراتيجية.
أمام كل هذه المعطيات، هناك فرصة تاريخية للجمهورية الاسلامية الموريتانية للعب دور أكبر في المنطقة ونسج تحالف تاريخي استراتيجي بين المغرب وجارتها الشمالية المملكة المغربية هذا التحالف اذا ما تحقق سيكون بداية لميلاد تحالفات مع دول المنطقة خاصة بلدان الساحل وفي مقدمتها دولة مالي و السينغال، خاصة في ظل وصول قيادات شابة لسدة الحكم في هذه الدول، وإن كان بعضها قد وصل إلى سدة الحكم عبر انقلابات عسكرية ولكنها كانت ضرورية للتخلص من الهيمنة الاستعمارية على المنطقة وخاصة الفرنسية، خاصة وأن هناك تماهي وانسجام بين هذه القيادات وشعوب المنطقة التي تشهد حاليا وعي وصحوة سياسية وفهم وإدراك عميق لما يجري من تحولات عميقة ببلدانها ومحيطها الاقليمي.
* تميز الملتقى بتوقيع اتفاقية شراكة مع مراكز موريتانية، ما هو المنتظر من هذه الاتفاقيات؟
**اسمحوا لي في البداية أن أخبركم بأن مركز إشعاع قد سبق أن وقع اتفاقيات شراكة وتعاون مع مراكز أبحاث ودراسات من منطقة الساحل ونيجيريا خلال المنتدى الدولي العلمي الأول الذي انعقد بمدينة الداخلة في شهر أبريل من السنة الماضية، وهو توجه يتماشى مع رؤية وتوجهات المركز والتي تنطلق من قناعة أساسية تتمثل في أهمية وضرورة تشبيك العلاقات القاعدية بين المملكة وشعوب المنطقة؛ على اعتبار أن الشعوب هي الحاضنة الحقيقية لنجاح أي مشروع تنموي له حمولات وامتدادات اقليمية وقارية، فالجهود الرسمية بالرغم من أهميتها تبقى غير كافية وغير محصنة في ظل التنافس الجيواستراتيجي الشرس بين القوى الدولية والاقليمية حول المنطقة خاصة وأن التحولات الدولية أعادت الأهمية التاريخية والاقتصادية التي كانت تتمتع بها المنطقة قبل الهيمنة الاستعمارية على البلدان المنطقة والتي أدت إلى تفكيك مكوناتها الثقافية والهيوياتية ونهب مواردها الطبيعية وزرع بدور التفرقة والعداء بين بلدانها .
إن مركز إشعاع يعتبر أن تشبيك العلاقات بين القوى المجمعية القاعدية من جمعيات أهلية ومدنية ومؤسسات ومعاهد جامعية ومراكز الدراسات والأبحاث أمر ذا أهمية بالغة؛ فالتشبيك يعتبر من ضمن الآليات الأساسية لتنفيذ الشراكات والاتفاقيات وتجسيدها على أرض الواقع. ولذلك فإن المركز يولي أهمية بالغة لهذا المعطى؛ بالرغم من أنه لا يتلقى أي دعم من أية جهة فهو يعتمد في مبادراته على أطره وأعضائه وعلاقاته الطيبة مع ثلة من الأساتذة الجامعيين الذي لهم غيرة على الوطن ويساهمون في كل الأنشطة العلمية الجادة التي ينظمها المركز، والتي تهدف إلى إعطاء زخم للبحث العلمي في مواضيع ذات راهنية وامتدادات اقليمية ودولية،والمساهمة في الدبلوماسية الموازية من خلال التعريف بالمكتسبات التي حققتها بلادنا في قضية وحدتنا الترابية. وهنا لا بد من تقديم الشكر الجزيل إلى المعهد الجامعي للدراسات الافريقية والإبير وأمريكية بجامعة محمد الخامس بالرباط الذي قدم كل الدعم والمساندة لتنظيم وإنجاح الملتقيات التي ينظمها مركز إشعاع بشراكة مع المعهد السالف الذكر.
*كيف تصف التعاون العلمي الجامعي بين المغرب وموريتانيا؟
المغرب يعد الوجهة الاولى للطلاب الموريتانيين الذي يودون استكمال مساره ا لعلمي بالجامعات المغربية والمملكة تعطي الأولوية للطلاب والباحثين الموريتانيين الذي يرغبون في استكمال دراستهم بالمغرب وهذا ما تؤكده الارقام والمعطيات الرسمية بالبلدين بالنظر إلى الروابط اللغوية والثقافية والدينية والمشترك التاريخي والحضاري الذي يجمع البلدين، بل هناك قرابة عائلية فالعديد من السكان الصحراويين المغاربة لهم عائلات وأقارب بموريتانيا والعكس صحيح؛ وبالتالي لا يشعر الموريتاني المتواجد بالمغرب بأنه خارج وطنه. لكن أعتقد أن التعاون العلمي بين البلدين يجب أن يتسع و يتطور بشكل أكثر ويتسع لأنماط جديدة من التعاون لخلق أجيال من النخب الجديدة تقوي الروابط بين الشعبين الشقيقين وتشكل الدعامة الأساسية لتطور العلاقات المغربية خلال الأعوام والعقود القادمة.