مقدمة:
تُعد الحرب الدائرة في السودان منذ عام 2023 من أخطر الأزمات السياسية والإنسانية في إفريقيا والعالم العربي. فبعيداً عن كونها نزاعاً مسلحاً بين طرفين، تكشف الأزمة عن اختلالات عميقة في بنية الدولة السودانية، وتداخلات إقليمية ودولية تُعقّد من فرص الوصول إلى تسوية سلمية عادلة. تهدف هذه الورقة إلى تقديم تحليل استراتيجي مختصر لمجريات الحرب، والبحث في آثارها متعددة الأبعاد، واقتراح مسارات واقعية لإنهاء النزاع وإعادة بناء الدولة.
أولاً: السياق الاستراتيجي للنزاع
• تشظي مراكز القوة: الحرب ليست فقط بين الجيش والدعم السريع، بل تمثل أيضاً صراعاً على النفوذ بين مكونات عسكرية، سياسية، قبلية واقتصادية متداخلة.
• تموضع جيوسياسي حساس: السودان يحتل موقعاً استراتيجياً في منطقة القرن الإفريقي، مما يجعله ساحة صراع غير مباشر بين قوى إقليمية ودولية (مصر، إثيوبيا، الإمارات، روسيا، والغرب).
• تدويل غير معلن: الدعم اللوجستي والعسكري والإعلامي الخارجي للأطراف المتحاربة يعكس بعداً دولياً للحرب يعرقل الحلول المحلية.
ثانياً: التداعيات الاقتصادية للحرب
• انهيار المؤسسات الاقتصادية: توقف النظام المصرفي، إغلاق المصانع، هروب رؤوس الأموال، وانهيار قطاع النقل والإنتاج.
• تضخم وفقر غير مسبوق: فقدان السيطرة على السياسة النقدية والمالية أدّى إلى تدهور القوة الشرائية، وارتفاع معدلات الفقر والبطالة.
• صراع الموارد: أصبحت المناطق الغنية بالذهب والنفط والزراعة مراكز صراع عسكري وسياسي بين الأطراف.
ثالثاً: الأثر الاجتماعي والإنساني
• أزمة نزوح ولجوء ضخمة: أكثر من 9 ملايين نازح ولاجئ يعيشون أوضاعاً إنسانية مأساوية، داخل وخارج السودان.
• تفكك النسيج الاجتماعي: تصاعد خطاب الكراهية والانقسامات الجهوية والقبلية يعمّق الأزمة ويهدد وحدة البلاد مستقبلاً.
• انهيار الخدمات الأساسية: توقف التعليم، تدمير المستشفيات، وغياب أي دور فعال لمؤسسات الدولة في حياة المواطنين.
رابعاً: فرص الحل وإعادة البناء
1. حل سياسي شامل ومستدام:
• استبعاد الحلول الثنائية، والانتقال إلى تسوية وطنية موسعة تشمل كل القوى السياسية والمدنية والجهوية.
• إنشاء هيئة انتقالية بصلاحيات تنفيذية حقيقية تؤسس لمرحلة جديدة تقوم على الحكم المدني والعدالة الانتقالية.
2. إعادة بناء الدولة السودانية:
• تبني نموذج فيدرالي حقيقي لتوزيع السلطة والثروة بشكل عادل.
• صياغة دستور جديد يضمن الحقوق والحريات، ويؤسس لثقافة سياسية جديدة.
3. إعادة الإعمار والتنمية المستدامة:
• إعداد خطة وطنية شاملة لإعادة الإعمار، تعتمد على التكنولوجيا والتحول الرقمي والذكاء الاصطناعي.
• التركيز على استثمار الطاقات الشبابية والموارد الطبيعية في تحقيق التنمية المستدامة.
4. تمكين المجتمع المدني:
• إشراك المجتمع المدني، الجامعات، والقطاع الخاص في صناعة القرار.
• دعم مبادرات المصالحة المجتمعية وتعزيز الإعلام المهني غير المنحاز.
خامساً: التوصيات الاستراتيجية
1. دعم مبادرات الحل السوداني السوداني دون إملاءات خارجية.
2. فرض رقابة دولية على مصادر تمويل الحرب للحد من استمراريتها.
3. تبنّي مقاربة “السلام مقابل التنمية” لإقناع الأطراف بالمشاركة في الحل.
4. إطلاق حوار مجتمعي وطني واسع يشمل القوى المهمشة تاريخياً.
5. بناء شراكات دولية ذكية تساهم في إعادة الإعمار دون شروط سياسية مجحفة.
الحرب في السودان كشفت عن ضعف الدولة وفشل النخب، لكنها أيضاً فتحت الباب أمام مراجعة عميقة لمفاهيم الحكم والتنمية والعدالة. يتطلب الخروج من هذه الأزمة رؤية استراتيجية شجاعة وشاملة تتجاوز المصالح الضيقة، وتؤسس لمستقبل يليق بتضحيات الشعب السوداني.
د.عمر زكريا أبوالقاسم/الرباط