الثروات السمكية في المغرب بين التصدير المحلي والاستغلال الأجنبي

 

تعد الثروات السمكية في المغرب موردًا اقتصاديًا حيويًا يسهم في التنمية الاقتصادية ويوفر فرص عمل مهمة، حيث يشكل إنتاج أسماك السطح الصغيرة، مثل السردين، نحو 80% من الإنتاج الوطني. هذا النوع من الأسماك يحظى بشعبية واسعة في السوق المحلي، إلا أن القطاع يواجه تحديات كبيرة ترتبط باستنزاف المخزونات السمكية من قبل الأساطيل الأجنبية، مما أدى إلى ارتفاع الأسعار في الأسواق المحلية وتأثيرها السلبي على القدرة الشرائية للمواطنين.

الأساطيل الأجنبية واستنزاف المخزونات السمكية

رغم الجهود المبذولة لتطوير قطاع الصيد البحري عبر مخططات تدبير مستدامة وإنشاء محميات بحرية، لا تزال الأساطيل الأجنبية تمارس ضغطًا كبيرًا على الموارد البحرية المغربية. وتعتمد هذه الأساطيل على وسائل صيد مكثفة تتجاوز الحدود المسموح بها، مما يؤدي إلى تراجع ملحوظ في مخزون بعض الأنواع، مثل السردين. وقد تفاقمت هذه المشكلة بفعل التغيرات المناخية التي أثرت على البيئة البحرية، مثل ارتفاع حرارة المياه، وهو ما ساهم في انخفاض إنتاج هذه الموارد الحيوية.

 

تعزز الحكومة المغربية أنظمة الرقابة من خلال الأقمار الاصطناعية وآليات تتبع دقيقة، إلا أن ضعف الرقابة الدولية على أنشطة الصيد في المياه الإقليمية يستمر في تغذية الأزمة. وتُظهر المعطيات أن تجاوزات بعض الأساطيل الأجنبية لا تزال قائمة، ما يعمق مخاطر استنزاف الموارد السمكية بشكل يتعارض مع مبادئ الاستدامة.

 

ارتفاع أسعار الأسماك في الأسواق المحلية أضحى يشكل تحديًا إضافيًا للمواطن المغربي، حيث يتزامن هذا الغلاء مع تصدير مكثف للأسماك المغربية إلى الأسواق الدولية بأسعار تنافسية. وتصل قيمة صادرات الأسماك المغربية إلى نحو 31 مليار درهم سنويًا، بينما يعاني المواطنون من ارتفاع أسعار الأنواع الأساسية مثل السردين، الذي يعد مكونًا رئيسيًا في المائدة المغربية. وأرجعت تقارير محلية أسباب هذه الأزمة إلى التصدير المكثف، ارتفاع تكاليف النقل والصيد، بالإضافة إلى المضاربات داخل الأسواق.

إجراءات حكومية للحفاظ على الثروة السمكية

في سياق الجهود المبذولة لمعالجة هذه التحديات، أكدت زكية الدريوش، كاتبة الدولة المكلفة بالصيد البحري، أن الوزارة وضعت 30 مخططًا لتدبير المصايد الوطنية، بتكلفة بلغت 3 ملايين درهم، بهدف ضمان استدامة المخزون السمكي، مقارنة بمخطط واحد فقط في الماضي. وأضافت أن نحو 96% من الكميات المفرغة تُدار حاليًا وفق إجراءات مستدامة تهدف إلى الحفاظ على الثروات البحرية وتعزيز الأمن الغذائي.

 

الحفاظ على الثروات السمكية المغربية يتطلب تدابير شاملة، منها تعزيز الرقابة على أنشطة الصيد الأجنبي، مراجعة سياسات التصدير لإعطاء الأولوية للسوق المحلي، وتقليل الاعتماد على الوسطاء للحد من المضاربات. كما أن تعزيز البحث العلمي لفهم تأثير التغيرات المناخية على المخزون السمكي وتطوير استراتيجيات استباقية يعد أمرًا ضروريًا لضمان استدامة هذا المورد الحيوي.

 

تشكل الثروات السمكية ركيزة استراتيجية للاقتصاد الوطني والأمن الغذائي، مما يستدعي تبني سياسات متوازنة تحمي البيئة البحرية وتضمن للمواطنين الاستفادة العادلة من الموارد الوطنية بأسعار مناسبة، بعيدًا عن الضغوط الدولية والتحديات المناخية.

 

للمزيد…

يمكنكم مشاركة المقال على منصتكم المفضلة