فوسط جدل حول تضارب مصالح وضغوط من المعارضة، قد يضطر رئيس الوزراء البرتغالي لويس مونتنيغرو، المنتمي لليمين المعتدل، إلى العودة إلى الناخبين في ماي المقبل، وهو ما يمثل ضربة قاسمة بعد عام فقط من توليه السلطة.
ومن المقرر أن ي جرى التصويت بالثقة يوم غد الأربعاء، وفي حال سقوط حكومة الأقلية التي يقودها مونتنيغرو، الذي تولى رئاسة الحكومة في مارس 2024، خلفا للاشتراكي، أنطونيو كوستا، قد تتجه البلاد إلى إجراء ثالث انتخابات برلمانية خلال ثلاث سنوات فقط، وهو احتمال بات مرجحا بشكل متزايد.
وتوجد في قلب هذا الجدل، شركة استشارات وعقارات مملوكة لزوجة رئيس الوزراء البرتغالي وأبنائه، والتي تربطها عقود مع عدة شركات خاصة، بما في ذلك “سولفيردي”، وهي مجموعة فنادق تخضع أنشطتها لامتيازات تمنحها الدولة.
هذه القضية، التي تأتي بالإضافة إلى كشف معلومات عن مخالفات محتملة في شراء شقة، أجبرت رئيس الوزراء على مواجهة اقتراح بحجب الثقة تقدمت به أحزاب اليسار الأربعاء الماضي، حيث انتقد النص التواطؤ بين السلطة السياسية والاقتصادية.
وقد أدت هذه القضية إلى تفاقم التوترات السياسية، مما دفع الحكومة إلى تقديم طلب التصويت بالثقة، والذي من المتوقع أن يتم رفضه في البرلمان يوم غد الأربعاء، لاسيما بعد إعلان الحزب الاشتراكي، حزب المعارضة الرئيسي في البلاد، بالإضافة إلى حزب “شيغا” اليميني المتطرف، أنهما لن يمنحا الثقة للحكومة.
في خضم هذه الأزمة، برزت أصوات قوية من قطاع الأعمال تحذر من العواقب الاقتصادية لعدم الاستقرار السياسي. فقد أصدرت جمعية موزعي المنتجات الغذائية بيانا أعربت فيه عن قلقها البالغ إزاء “المناخ الحالي الذي يتسم بعدم اليقين السياسي”، مشيرة إلى أن هذا الوضع يمثل خطرا كبيرا على ثقة المستهلكين واستثمارات الشركات، فضلا عن تأثيره السلبي على الاستثمار في القطاع التجاري وإمكانية التنبؤ بالسياسات العامة اللازمة لتطوير القطاع”.
وأكدت الجمعية أن قطاع تجارة المواد الغذائية، الذي يلعب دورا محوريا في تزويد السكان بالمنتجات الأساسية وتحفيز الاقتصاد الوطني، يحتاج إلى بيئة مستقرة لضمان استمرارية الأعمال. كما دعت إلى “حوار بناء” بين جميع الفرقاء السياسيين لضمان استقرار البلاد وخلق ظروف مواتية للنمو الاقتصادي.
ولم تكن جمعية موزعي المنتجات الغذائية الوحيدة التي عبرت عن مخاوفها. فقد سبق أن وجه اتحاد مقاولات البرتغال نداء إلى قادة الأحزاب السياسية للعمل معا من أجل تجنب انتخابات مبكرة.
وأكد الاتحاد على لسان رئيسه، أرميندو مونتيرو، على ضرورة إيجاد “حل يضمن استمرار البرتغال في مسارها نحو التنمية والتقدم في إطار من الاستقرار السياسي”، مؤكدا أن “السياق الدولي والوطني يجعل من غير الضروري إجراء انتخابات هي في المقام الأول نتيجة أزمة سياسية وحزبية وليست أزمة اقتصادية واجتماعية”.
في ظل هذا المناخ السياسي المشحون، يبدو أن البرتغال تواجه تحديات جسيمة على أكثر من صعيد. فمن ناحية، يهدد عدم الاستقرار السياسي بتقويض ثقة المستهلكين، مما قد يؤدي إلى تباطؤ النمو الاقتصادي. ومن ناحية أخرى، فإن حالة عدم اليقين التي تعيشها البلاد قد تعرقل الاستثمارات الضرورية لتحفيز الاقتصاد، خاصة في قطاعات حيوية مثل التجارة والصناعة.
وبحسب المراقبين، فإن هذا الوضع يؤدي إلى “بعض عدم اليقين”، وهو أمر “ليس جيدا للاستقرار الاقتصادي والسياسي”، معتبرين أن قرار مونتينغرو بالدعوة إلى التصويت قد يكون محاولة لتجنب تحقيق برلماني حول أنشطة شركته العائلية، والتي تزعم المعارضة أنها استفادت من منصبه الحكومي.
أما المعارضة، التي يقودها الحزب الاشتراكي بزعامة بيدرو نونو سانتوس، فترى أن رئيس الحكومة هو المسؤول الوحيد عن هذه الأزمة.
وانتقدت ألكسندرا ليتاو، المسؤولة عن الكتلة البرلمانية الاشتراكية، مونتنيغرو لأنه فضل الانتخابات “بدلا من تقديم المزيد من التوضيحات”.
من جانبه، دافع هوغو سواريس، رئيس الكتلة البرلمانية للحزب الديمقراطي الاجتماعي (يمين الوسط الحاكم)، قائلا إن الاشتراكيين “يبحثون عن خلافات سياسية ويعملون على إضعاف الحكومة”، مؤكدا أنه في حالة الإطاحة بالحكومة، فإن مونتنيغرو سيكون مرشحا مرة أخرى لمنصب رئيس الوزراء.
وبينما تدعو القوى الاقتصادية إلى الحوار وتجنيب البلاد انتخابات برلمانية، يبدو أن الفجوة بين الأحزاب السياسية تتسع، وتنذر بدخول البلاد في مرحلة جديدة من عدم الاستقرار، مع ما يرافق ذلك من تداعيات اقتصادية واجتماعية قد تطول آثارها لسنوات، ما لم تحدث “معجزة” سياسية ت عيد الثقة بين الفرقاء السياسيين.