لا يزال حلم الانتخابات والاستقرار السياسي في ليبيا يراود المواطن الليبي خاصة بعد تعثر إجرائها في ديسمبر 2021 وتأجيلها إلى أجل غير مسمى خلال عام 2022 . وعلى الرغم من الجهود المحلية والدولية لإيجاد حل سياسي شامل إلا أن الصراع على السلطة بين الأطراف المختلفة والتدخلات الخارجية المتواصلة حالا دون تحقيق تقدم حقيقي في هذا المسار .
• الصراع على السلطة وتعقيد المشهد السياسي
منذ سقوط نظام معمر القذافي عام 2011 تعيش ليبيا حالة من عدم الاستقرار السياسي والانقسام الحاد حيث تنافست عدة حكومات وأطراف سياسية على الشرعية مما أدى إلى ظهور حكومتين متوازيتين
1. حكومة الوحدة الوطنية برئاسة عبد الحميد الدبيبة التي تم تشكيلها في مارس 2021 بناءً على اتفاق جنيف وكان من المفترض أن تقود البلاد إلى الانتخابات .
2. الحكومة المكلفة من البرلمان برئاسة فتحي باشاغا سابقًا ثم أسامة حماد والتي يدعمها مجلس النواب والمتمركزة في الشرق الليبي .
هذا التنازع على السلطة انعكس سلبًا على العملية الانتخابية حيث لم يتم التوصل إلى توافق حول القوانين المنظمة للانتخابات إلى جانب الخلافات حول الإطار الدستوري والشروط التي يجب أن تحكم الانتخابات الرئاسية والبرلمانية .
• مراحل الحوار السياسي ومحاولات لإنقاذ المسار الديمقراطي
شهدت ليبيا عدة مراحل من الحوار السياسي برعاية الأمم المتحدة وقوى إقليمية ودولية بهدف تقريب وجهات النظر بين الفرقاء الليبيين ووضع خارطة طريق تؤدي إلى إنهاء المرحلة الانتقالية عبر الانتخابات . ومن أبرز هذه المراحل .
1. اتفاق الصخيرات (المغرب) – 2015
شكّل أتفاق الصخيرات الذي تم توقيعه في 17 ديسمبر 2015 برعاية الأمم المتحدة في المغرب خطوة محورية في محاولة إنهاء الانقسام السياسي. وتم الاتفاق على
تشكيل حكومة الوفاق الوطني
وإعادة توحيد المؤسسات السيادية مثل البنك المركزي والمؤسسة الوطنية للنفط .
ووضع خارطة طريق للانتخابات العامة.
لكن هذا الاتفاق واجه تحديات كبيرة أبرزها رفض بعض الأطراف الاعتراف بشرعية حكومة الوفاق آنذاك مما أدى إلى استمرار حالة الانقسام السياسي.
2. مسار بوزنيقة (المغرب) – 2020
احتضنت مدينة بوزنيقة المغربية جولات حوار بين الأطراف الليبية وركزت هذه المحادثات على توزيع المناصب السيادية وفق المادة 15 من اتفاق الصخيرات وتم الاتفاق على معايير اختيار شاغلي المناصب السيادية مثل البنك المركزي . هيئة الرقابة الإدارية . والمفوضية العليا للانتخابات .
3. مؤتمر برلين (ألمانيا) – 2020 و2021
عُقد مؤتمر برلين الأول في يناير 2020 بمشاركة دولية واسعة بهدف وقف التدخلات الأجنبية ودعم وقف إطلاق النار لكن الألتزامات التي خرج بها المؤتمر لم تُنفذ بشكل كامل .
وفي يونيو 2021 عُقد مؤتمر برلين الثاني لمناقشة التحضيرات للانتخابات وشدد البيان الختامي على ضرورة انسحاب المرتزقة والقوات الأجنبية من ليبيا وهي نقطة خلاف رئيسية حالت دون تحقيق تقدم ملموس .
4. اتفاق جنيف (سويسرا) – 2021
شكّل الحوار السياسي الليبي الذي عُقد في جنيف تحت رعاية الأمم المتحدة خطوة هامة حيث أسفر عن تشكيل حكومة الوحدة الوطنية برئاسة عبد الحميد الدبيبة والمجلس الرئاسي بقيادة محمد المنفي . وكان الهدف الرئيسي للحكومة الجديدة هو تنظيم الانتخابات في ديسمبر 2021 لكن الخلافات حول قوانين الترشح للرئاسة ودور المجلس الأعلى للدولة والبرلمان حالت دون تنفيذ الانتخابات في موعدها .
• التدخلات الخارجية وتأثيرها على الأزمة الليبية
لم تكن الأزمة الليبية مجرد صراع داخلي بل لعبت التدخلات الإقليمية والدولية دورًا بارزًا في تأزيم الوضع فقد دعمت بعض الدول أطرافًا معينة لتحقيق مصالحها الاقتصادية والعسكرية مما أدى إلى استمرار حالة الجمود السياسي .
وعلى الرغم من الجهود الدبلوماسية لإخراج القوات الأجنبية والمرتزقة من ليبيا إلا أن هذه القوات لا تزال تشكل عاملًا رئيسيًا في تعقيد المشهد السياسي .
• الطريق إلى الانتخابات .. العقبات والآمال
مع استمرار الانقسام السياسي لا تزال هناك جهود متواصلة من الأمم المتحدة والمجتمع الدولي للضغط من أجل إجراء الانتخابا وتشير بعض المبادرات إلى إمكانية وضع جدول زمني جديد للانتخابات بشرط أن يتم التوافق على القوانين المنظمة لها .
كما أن الضغط الشعبي المتزايد قد يجبر السياسيين على تقديم تنازلات للوصول إلى تسوية سياسية تفضي إلى انتخابات نزيهة وشفافة .
● ختامًا
يبقى إجراء الانتخابات في ليبيا هو المفتاح الحقيقي لإنهاء حالة عدم الاستقرار السياسي مما يتطلب
إرادة سياسية جادة من جميع الأطراف .
ووقف التدخلات الخارجية .
وتوحيد المؤسسات السيادية .
فبدون توافق حقيقي بين الفرقاء الليبيين ستظل ليبيا تدور في دائرة مفرغة من الصراعات وسيظل حلم الانتخابات والاستقرار السياسي مؤجلًا .