في سابقة غير مألوفة، شهدت الجلسة الصباحية للقراءة الثانية لقانون الإضراب في البرلمان المغربي تحولاً مفاجئاً في مواقف الفرق البرلمانية. رئيس الفريق الحركي، إدريس السنتيسي، الذي يعد من أبرز الوجوه المعارضة في البرلمان، خرج عن المألوف وصوّت لصالح مشروع قانون الإضراب، داعماً الأغلبية الحكومية بشكل غير متوقع. هذا الموقف خلق ردود فعل متباينة بين النواب والمراقبين السياسيين، وأثار جدلاً واسعاً داخل الأوساط السياسية.
ما فعله السنتيسي يُعد من أكبر المفاجآت في الحياة السياسية المغربية خلال الفترة الأخيرة. ففي الوقت الذي كان فيه فريقه يُعتبر جزءاً من المعارضة، يُفاجئنا بموقف متناقض تماماً، حين قرر التصويت لصالح قانون الإضراب في يوم الإضراب نفسه! ومن المثير للسخرية أن السنتيسي كان يتزعم فريقًا يعارض الحكومة، ليقلب الطاولة اليوم ويصطف مع الأغلبية الحكومية في قضية كانت تعد حساسة بالنسبة للعديد من النقابات والعمال.
وفي جلسة القراءة الثانية، كان السنتيسي يهاجم بشدة الفرق الاشتراكية المعارضة، وبالأخص الفريق الاتحادي الذي كان يرفض القانون بشدة، رافعاً شعار “أضرب وقيس” بشكل ساخر. هذا التهكم لم يكن مجرد اختلاف في الرأي، بل كان إشارة واضحة إلى تصعيد المواقف، وتعزيز جبهة الحكومة عبر موقفه “المُنتقل” من المعارضة إلى الصف الحكومي.
هذا الموقف يؤكد أزمة حقيقية في التحالفات السياسية المغربية. السؤال المطروح هل أصبحت الحركات والفرق البرلمانية تتحرك وفق مصالحها الشخصية أكثر من الالتزام بمبادئ المعارضة أو الحكومة؟ فمن جهة، يبرهن تصويت السنتيسي على كيفية تحوّل بعض الفرق البرلمانية إلى أداة تنفيذية للحكومة بشكل غير مبرر، بما يوثق نوعاً من “التحالفات المستترة” التي لا تتفق مع المبادئ المعلنة. ومن جهة أخرى، يكشف الموقف عن هشاشة التوافقات في المعارضة، حيث يبدو أن هذه الأخيرة لم تستطع ضبط مواقفها بما يكفي للحفاظ على وحدة الجبهة المعارضة للحكومة. فتداعيات تصويت السنتيسي لصالح قانون الإضراب في ظل إضراب عمالي عام تعد بمثابة صدمة للكثيرين، بما فيها النقابات التي تسعى لوقف مشروع القانون الذي يعتبرونه تهديداً لحقوقهم.
إن تصرفات السنتيسي الأخيرة تمثل درساً في كيفية تأثر السياسة المغربية بالتحولات التي تهدف إلى الحصول على مكاسب سياسية آنية. لكن في الوقت نفسه، من الواضح أن هذا التبدل في المواقف يؤكد حالة من عدم الاستقرار داخل المشهد السياسي ككل، ويطرح أسئلة حول مصداقية بعض الأحزاب في الدفاع عن مبادئها وقيمها. هل نحن أمام مرحلة جديدة من التحالفات البرلمانية المتناقضة؟ أم أن السنتيسي وغيرهم من البرلمانيين يسعون فقط لتحقيق مصالح شخصية على حساب القضايا الوطنية الكبرى؟