آيت الطالب: الوازع الديني ركيزة أساسية لتعزيز الصحة وتحقيق التنمية

في لقاء تواصلي نظمه المجلس العلمي الأعلى اليوم الأحد بمقره بالرباط، ألقى خالد آيت الطالب، وزير الصحة والحماية الاجتماعية السابق، كلمة سلط فيها الضوء على دور الوازع الديني في تحقيق التنمية، مشيرًا إلى أن الصحة تشكل إحدى الركائز الأساسية لتحقيق التنمية البشرية والاجتماعية.

 

وأكد خالد آيت الطالب أن الصحة نعمة عظيمة وهبة من الله تعالى، وأحد المقاصد الشرعية التي أمر الإسلام بحفظها إلى جانب الدين والعقل والمال والعرض، موضحا أن الحفاظ على الصحة ليس مجرد ضرورة فردية، بل مسؤولية جماعية يجب أن تتضافر الجهود لحمايتها وتعزيزها، من خلال السياسات الصحية الفعالة، والتوجيه الديني الذي يشجع على السلوكيات الصحية السليمة.

 

وأشار الوزير السابق إلى أن الإسلام قدم منهجًا متكاملًا للوقاية الصحية، من خلال الدعوة إلى الطهارة والنظافة، والاعتدال في الأكل والشرب، والابتعاد عن المحرمات الضارة كالمخدرات والخمر، إلى جانب التأكيد على دور العبادات كالصوم والصلاة في تحقيق التوازن الصحي والنفسي. واستشهد بحديث النبي ﷺ: “تداووا عباد الله، فإن الله لم يضع داء إلا وضع له دواء”، مؤكدًا أن الإسلام يدعو إلى البحث عن العلاج والوقاية، ويحث على اتخاذ التدابير الصحية التي تضمن سلامة الأفراد والمجتمع.

 

وفي سياق متصل، أبرز خالد آيت الطالب أن التنمية الحقيقية لا تتحقق إلا من خلال بناء أفراد أصحاء قادرين على المساهمة بفعالية في المجتمع، مبرزا أن الصحة ليست مجرد غياب المرض، بل هي حالة من السلامة الجسدية، النفسية، والاجتماعية، وفق تعريف منظمة الصحة العالمية، وهو مفهوم يتماشى تمامًا مع مقاصد الشريعة الإسلامية التي تجعل من الحفاظ على النفس والجسد أولوية قصوى.

 

وأشار إلى أن الدراسات العلمية الحديثة أثبتت أن الوقاية الصحية تلعب دورًا أساسيًا في تقليل نسب الإصابة بالأمراض المزمنة والمعدية، مستعرضًا أرقامًا وإحصائيات تؤكد أهمية اتباع نمط حياة صحي، مثل ممارسة النشاط البدني المنتظم، واتباع نظام غذائي متوازن، والابتعاد عن العادات الضارة كالتدخين والإفراط في استهلاك السكر والدهون.

 

وأوضح وزير الصحة والحماية الاجتماعية السابق أن الكشف المبكر عن الأمراض مثل السرطان يمكن أن يقلل معدلات الوفيات بنسبة تصل إلى 30%، في حين أن الإقلاع عن التدخين يقلل من خطر الإصابة بأمراض القلب إلى النصف خلال عامين فقط.

 

وتحدث آيت الطالب عن أهمية الصحة النفسية ودورها في تحقيق التوازن والاستقرار في حياة الإنسان، مشيرًا إلى أن الإيمان القوي والتوجيهات الدينية السليمة تسهم في تقليل معدلات القلق والاكتئاب، وتعزز الشعور بالطمأنينة.

 

وأورد أن القرآن الكريم لم يغفل هذا الجانب، بل قدم حلولًا شاملة لتعزيز الصحة النفسية، من خلال التوجيهات الروحية التي تساعد الإنسان على مواجهة التحديات بوعي وإيجابية، كما جاء في قوله تعالى: “ألا بذكر الله تطمئن القلوب”، مشددا على أن الذكر والصلاة والتأمل تساعد على تحقيق التوازن النفسي والعاطفي، مما ينعكس إيجابًا على أداء الفرد وإنتاجيته في المجتمع.

 

وفي معرض حديثه عن التكافل الاجتماعي، أكد خالد آيت الطالب أن الإسلام جعل من التضامن والتكافل مبدأ أساسيًا لضمان حصول الجميع على الرعاية الصحية اللازمة، بغض النظر عن وضعهم الاقتصادي.

 

وأشاد وزير الصحة والحماية الاجتماعية السابق بالمشروع الملكي للحماية الاجتماعية الذي أطلقه الملك محمد السادس نصره الله، والذي يهدف إلى تعميم التغطية الصحية وتعزيز العدالة الاجتماعية، مؤكدًا أن هذا المشروع ينسجم مع القيم الإسلامية التي تدعو إلى دعم الفئات الهشة وضمان حقها في العلاج والرعاية الطبية.

 

وأشار إلى أن البيانات الصادرة عن منظمة الصحة العالمية تؤكد أن تعميم التغطية الصحية الأساسية يمكن أن يقلل من الإنفاق المباشر على الصحة بنسبة تتراوح بين 20% و40%، مما يخفف العبء المالي على الأسر ذات الدخل المحدود، ويسهم في تحسين المؤشرات الصحية وتقليل نسب الوفيات، مؤكدا أن الاستثمار في الوقاية والتوعية الصحية يعد ضرورة اقتصادية، حيث أظهرت الدراسات أن كل دولار يُنفق على تعزيز الصحة العامة يمكن أن يوفر أضعافه من النفقات العلاجية والخسائر الاقتصادية المستقبلية.

 

ولم يغفل خالد آيت الطالب دور البيئة في تحقيق الصحة والتنمية، مشيرًا إلى أن التلوث يعد من أكبر التحديات الصحية في العصر الحديث، حيث يتسبب في وفاة أكثر من 7 ملايين شخص سنويًا نتيجة أمراض الجهاز التنفسي والقلب.

 

وأكد أن الإسلام دعا إلى الحفاظ على البيئة وعدم الإفساد في الأرض، كما جاء في قوله تعالى: “ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها”، داعيًا إلى تعزيز الجهود الرامية إلى تقليل التلوث، وتحسين جودة الهواء والمياه، واعتماد سياسات تنموية مستدامة تحمي صحة الأفراد وتحافظ على الموارد الطبيعية للأجيال القادمة.

 

وشدد خالد آيت الطالب على أن تحقيق التنمية المستدامة يتطلب رؤية شاملة تأخذ بعين الاعتبار الصحة كعنصر محوري في استقرار المجتمعات وتقدمها، مؤكدًا أن الخطاب الديني يمكن أن يكون أداة قوية لتعزيز الوعي الصحي وترسيخ السلوكيات الإيجابية التي تحمي الأفراد والمجتمعات من المخاطر الصحية.

 

كما دعا إلى تبني الوقاية كأسلوب حياة، وتعزيز التكافل الاجتماعي لضمان استدامة الإصلاحات الصحية، مشيرًا إلى أن الإسلام بمنهجه المتكامل يولي عناية خاصة بصحة الإنسان، ويحثه على اتباع نهج متوازن في الحياة، قائم على الوقاية، الاعتدال، والمسؤولية تجاه الجسد والمجتمع.

يمكنكم مشاركة المقال على منصتكم المفضلة