إعادة تدوير النخب في المغرب.. هل هي أزمة بروفيلات أم تفضيل الخيرة؟

تشهد الساحة السياسية والاقتصادية في المغرب ظاهرة إعادة تدوير نفس الأسماء في مناصب المسؤولية، حيث يتنقل بعض المسؤولين بين مواقع مختلفة، دون أن يؤدي ذلك بالضرورة إلى تجديد حقيقي في هيكلة النخب. هذه الظاهرة تطرح تساؤلات جوهرية حول مدى الانفتاح على طاقات جديدة  شابة قادرة على تقديم رؤى مغايرة لمواكبة التحولات المتسارعة.

 

لطالما كان تشكيل النخب في المغرب محكوماً بتصور محافظ، يرتكز على استمرارية عائلات وأسماء معينة في دوائر النفوذ، سواء في المجال السياسي أو الاقتصادي. هذا النهج، وإن كان قد شهد محاولات للانفتاح منذ تسعينيات القرن الماضي، إلا أنه ظل مشروطاً بسياقات محددة، ما أدى إلى بقاء نفس الوجوه في مواقع المسؤولية لعقود، مع تغييرات شكلية في المواقع دون المساس بجوهر التركيبة .

 

في العديد من الدول، يتم الحرص على تحقيق توازن بين استمرارية بعض الشخصيات ذات الخبرة وبين ضخ دماء جديدة قادرة على تقديم مقاربات مختلفة. غير أن الحالة المغربية تبدو مختلفة، حيث يُنظر إلى تدوير النخب كآلية للحفاظ على استقرار مؤسسات الدولة، أكثر من كونه وسيلة لتعزيز دينامية التغيير والتطوير.

 

هذا الوضع يثير إشكالية أكبر تتعلق بغياب روافد حقيقية لتكوين نخب بديلة. فالأحزاب السياسية، رغم محاولاتها، لم تنجح في تأطير كفاءات تحظى بالقبول ، كما أن المجتمع المدني، رغم حيويته، يواجه صعوبات في إيصال كفاءاته إلى مواقع القرار.

 

صراحة لا يمكن إنكار أن بعض الأسماء التي يعاد تعيينها تمتلك خبرات متميزة ومسارات مهنية حافلة بالإنجازات، وهو ما يجعل استمرارها في مواقع المسؤولية أمراً مفهوماً في بعض الحالات. لكن استمرار الاعتماد على نفس الوجوه، دون فتح المجال لأجيال جديدة، قد يؤدي إلى جمود إداري وسياسي يحدّ من القدرة على التجديد والابتكار.

 

لذلك، فإن تجاوز هذه الظاهرة يتطلب إعادة النظر في آليات اختيار وتكوين وتعيين الكفاءات، بحيث يتم الجمع بين الخبرة والتجديد، مع منح الفرصة لكفاءات جديدة قادرة على تقديم رؤى حديثة تلائم التحولات التي يشهدها المغرب والعالم. فالتوازن بين الاستمرارية والتغيير هو المفتاح لبناء منظومة حوكمة أكثر ديناميكية واستدامة.

يمكنكم مشاركة المقال على منصتكم المفضلة